:: بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى/ فلم يستبينوا النصح إلا (ضحى الغد).. من حكم الشاعر دريد بن الصمة في رثاء أخيه عبد الله بعد إغتياله وهزيمة جيش قبيلتهما في معركة منعرج اللوى أمام جيش قبيلة غطفان.. وكان دريد قد نصح قومه وشقيقه بمغادرة موقع المعركة – منعرج اللوى – حتى لا تباغتهم غطفان وهم في غلفة من أمرها، فرفضوا النصح ثم إستبانوا بعد الهزيمة ومصرع قائد القبيلة ، أي ( ضحى الغد) ..وصارت القصة من الحكم ..!!
:: وفي رمضان الفائت، أوقف الإتحاد العام للصحفيين السودانيين المسلسل الإذاعي الناقد للصحافة (بيت الجالوص)، فكتبت ناصحاً.. الإنسان – بفطرته – لا يُطيق النقد، والناقد – بالذات – أكثر أهل الأرض ضيقاً بالنقد..ولو أن إذاعة أو فضائية خصصت بعض برامجها لأخطاء الصحف والصحفيين لما سعتنا الأرض غضباً وحزناً..والحقيقة التى نقر بها هي أن دائرة الديمقراطية في نفوسنا لا تتجاوز دائرة نصف قطرها ( الرأي)، ولاتحتمل (الرأي الآخر)..وكثيرة هي الشواهد، و أوضحها ماحدث- في هذا الشهر الفضيل – للمسلسل الإذاعي ( بيت الجالوص)..!!
:: (بيت الجالوص)، للكاتب علي بلدو، والمخرج محمد بشير دفع الله، تحكي عن أحدهم كان والده زبالا وتمرد على أخلاقه، وسار في درب الإجرام والثراء الفاحش حتى صار رجل أعمال ونجم المجتمع..ولم ينسى ماضيه، ويجتهد في التخلص منه بوسائل كثيرة، ومنها نزع بيوت الجالوص من أصحابها ليهدمها لكي لاتذكره بماضيه..ثم يخدع الرأي العام عبر صحافة مرتشية لتجميل صورته..وتوقفت الحلقات – تعسفياً – عند الحلقة (الثانية عشرة)، بأمر مدير عام الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون..!!
:: وكان نقيب الصحفيين، قد اعترف بدور الإتحاد في هذا الكبت : ( وجدنا الصورة التي يقدمها المسلسل عن شخصية مهينة للصحافي، وقمنا بإرسال خطاب بعد التحقق من المسلسل وهذا واجب الاتحاد، والخطاب يحمل احتجاج المجتمع الصحفي، ويدعو إلى مراجعة أمر بث هذه الحلقات، فهنالك فرق بين حرية التعبير وحرية العمل الإبداعي وبين التعرض للصحف وقدسية العمل المهني)..فاستنكرت بالنص : ليس هناك ما يُبرر لوأد الإبداع، ولسنا أنبياء و لا ملائكة بحيث لا ينقدنا أهل القصة والدراما.. وأخطأ إتحاد الصحفيين بالإستجابة لمذكرة من سماهم برؤساء التحرير والصحفيين، فاعتذروا ..!!
:: ذاك بعض نصح رمضان، واليوم – ضحى الغد – نأمل أن يكون اتحاد الصحفيين قد إستبان (النصح)..فالفريق أول محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخبارات، عندما سألته الزميلة المجتهدة لينا يعقوب في أولى حلقات الحوار الرائع إن كانت الصحف تستحق عقابا بحجم المصادرة عقب خبر التحرش بأطفال الرياض والصادرعن مصدر غير مسؤول قبل أشهر، قال مدافعا : ( اتحاد الصحفيين قام بايقاف بيت الجالوص باعتباره أساء للصحفيين، ماذا يعني هذا الإيقاف؟، يعنى أنه في بعض الأحيان تضطر لأتخاذ إجراء لكي توقف تجاوزاً كبيراً)..!!
:: نعم، فالحديث الخاص بأطفال الرياض والصادرعن مصدر غير مسؤول – بلا إحصائية أو أدلة – كان (قبيحا للغاية)..وكان الأفضل محاكمة المصدر والصحف – بالمحاكم وليس بالمصادرة – لسلامة المجتمع ولرد إعتبار رياض الأطفال وأساتذتها الأجلاء..ولكن مسلسل بيت الجالوص لم يكن تجاوزاً للقانون ولا للحقيقة بحيث نضرب به الأمثال ، وكل ما في الأمر أن البعض منا نجح في استغلال اتحاد الصحفيين ليوأد به – بمنتهى الديكتاتورية – مسلسلاً يكشف بعض أوجه فساد الصحافة..وعليه، فليبادر الاتحاد بالإعتذار ثم برفع الحظر عن هذا الإبداع الموؤود، ليتجاوز حجم الحقيقة في صحافتنا دائرة ( الرأي) إلى فضاء ( الرأي الآخر)..!!