خبير أغذية: المواد التي يستخدمها التجار لإنضاج الفواكه خطيرة وبعضها يسبب السرطان
خبير زراعي: الدور الرقابي على المبيدات والأسمدة ضعيف
الإحصائيات التي كشفت عنها منظمة الصحة العالمية أكدت إصابة 1.5 مليون شخص في العالم بنوع واحد من أنواع السرطان، وبحسب دراسات علمية صادرة عن المنظمات العالمية أظهرت أن السبب الرئيس للإصابة هو التلوث الذي يحيط بالإنسان من كل الجوانب وما يدخل جوفه من طعام وشراب، وهواء محمل بالمواد المسرطنة. ولعل نصف حالات الإصابة بالسرطان في العالم سببها الطعام المسرطن والأرقام المفزعة لمن أصيبوا بالسرطان جراء تناولهم أطعمة مسرطنة تجعلنا نتوقف لنتعرف على هذه الأطعمة وكيفية تحولها إلى سموم قاتلة بدلاً من كونها مواد مغذية ومساعدة للجسم ومحافظة على صحته، والسودان لم يكن استثناء مما هو حادث في عدد كبير من دول العالم، حيث ظلت معدلات الإصابة بمرض السرطان تسجل ارتفاعاً مضطرداً توضحه أرقام التردد على المستشفيات المتخصصة في علاج الأورام الخبيثة، وكثيرون يعزون الأمر الى الاستعمال الخاطئ للمبيدات خاصة في “تسميد” الخضروات والفواكه والمحاصيل الأخرى.
الموز الأصفر
تعتبر مادة كربيد الكالسيوم من المواد المستعملة لتسريع نضوج الموز والفواكه شيوعاً في السودان وهي التي أشار إليها الدكتور صبحي محمد أحمد الأخصائي في الطب والاغذية المقيم بفرنسا في حديثه لـ(الصيحة) منوها الى أن هناك العديد من المواد التي قد يؤدي تراكمها داخل الجسم الى تحولها إلى خلايا سرطانية، فعلى سبيل المثال مادة كربيد الكالسيوم التي يستخدمها التجار في سرعة إنضاج الموز تعتبر مادة سمية خطيرة ومسببة للسرطان، لذا يوصى بغسل الموز جيداً قبل تقشيره.
تعرفنا على هذه المادة دفعنا إلى الذهاب للسوق المركزي بالخرطوم وهو أكبر سوق للخضر والفاكهة بالخرطوم حيث تتجمع فيه من كل أنحاء السودان و”سبايط” الموز الأصفر الجميل تتدلى في كل المحال الخاصة بالفاكهة.. عمدنا الى دخول إحدى المحلات الكبرى، فالتاجر الذي رحب بنا علي أساس أننا سنشتري منه لم يرق له التعامل معنا ومناقشتنا حول الأمر الذي جئنا من أجله بل قال لنا إن الموز يأتي ناضجاً ومستوياً من مكانه، أحد العاملين بالمحل صبي في السابعة عشرة من عمره سمع أطراف الحديث ليخبرنا بعد أن تبعنا خارج المحل أن هناك مادة يرش بها الموز الأخضر حتى يصبح لونه أصفر جميلا بين ليلة وضحاها، بعد ذلك تجولنا في السوق المركزي لنخرج في الخلاصة أن هناك مادة تستعمل في إنضاج الموز وغالب ظننا أن هذه هي مادة كربيد الكالسيوم.
أطعمة مسرطنة
يشير الدكتور صبحي محمد أحمد إلى ضرورة تقشير الخضروات قبل تناولها، فهذا حسب رأيه يؤدي الى التقليل من خطر الإصابة بالمواد المسرطنة من أسمدة ومبيدات، ويضيف: المعادن الثقيلة غالباً تحتفظ بها هذه المأكولات في القشرة، كما أشار إلى تحاشي شراء النباتات المصابة بالفطريات مثل الخس والجرجير فالفطريات التي تصيب هذه الأطعمة تفرز مواد سامة إضافة إلى ذلك فإن البطاطس تحمل في قشرتها مخزناً كاملاً للكيماويات والمبيدات والمعادن الثقيلة والأسمدة الخطيرة على الصحة مثل “الأترازاين” والفوسفات.
وتجدر الإشارة هنا إلى عدم تناول البطاطس (المزرعة) المخضرة حيث أثبتت التجارب المعملية أنها تؤدي الى تغيرات وراثية سرطانية أو تشوه خلقي في المواليد .
تجار المبيدات
خطر الأسمدة التي نتناولها في الخضروات والأطعمة اليومية يجعلنا نتوقف عندها كثيرًا، فكيف تصل هذه الأسمدة بخطورتها الى المزارع البسيط، فتجار المبيدات وبحسب شهادة مزارعي الخضروات منتشرون في كل انحاء السودان، ويعملون بتصاريح من الدولة، وهنا يشير الخبير الزراعي مدثر عبد الرحمن إلى أن الدور الرقابي ضعيف على دخول المبيدات والأسمدة، فالدولة منوط بها حماية الشعب من هذه المبيدات والحد من تدفقها المزعج، ويشير إلى وجود مبيدات وأسمدة عضوية ملائمة للاستخدام يمكنها أن تكون بدائل وحلولاً، إلا أن غياب الرقابة وتمريرها لتجار المبيدات جعل منها سوقاً رائجة بكل ما هو فتاك وقاتل.
المدينة عرب
في ولاية الجزيرة وتحديداً في سوق المدينة عرب والذي يعد من أكبر الأسواق في الولاية الزراعية لتجارة المبيدات حيث تشكل هذه التجارة نسبة 35% من السوق، وبحسب مدثر فإن بعض هذه المحلات تعمل دون رقابة من وزارتي الزراعة والصحة، وأردف: ولعل هذا الأمر وانتشار المحلات دفع بمحلية جنوب الجزيرة الى فصل هذه الأسواق واعتماد سوق موحد للأسمدة والمبيدات، الا أن هذا الأمر لم يكلل بالنجاح. ولكن يبقى السؤال القائم هو لماذا يحمل التجار تصاريح بالاتجار في الأسمدة والمبيدات دون قيد أو شرط؟ وكيف يمنح هذا الترخيص وهل يمنح لذوي الاختصاص؟ وهل هناك تفتيش دوري لهذه المحلات المتخصصة؟
المطاط
أحد المزارعين بالمدينة عرب – رفض ذكر اسمه – أشار إلى وجود مبيدات محظورة عالمياً، قال إنها تباع في السودان، مثل مادة تسمى بالمطاط هذه المادة تستخدم لزيادة حجم الخضروات مثل الطماطم والبطاطس فهي تجعل من حجم القطعة كبيراً فلذا يستخدمها المزارعون الطامحون إلى كسب مادي أو عائد ربحي كبير.
يقول الدكتور صبحي إن هذه الأسمدة – بخلاف تإثيرها على الإنسان – فهي تصيب الأرض بالسرطان، فالأرض تمرض والآن العالم كله يجتمع في باريس لمناقشة مسائل التلوث البيئي، ونحن هنا في السودان نقتل الأرض والبيئة بمثل هذه المبيدات التي تدخل أسواقنا في ظل غياب الرقابة.
غياب الرقابة
المزارع (ع.أ) بمشروع الجزيرة يقول إن الرش الجوي للمبيدات كان سابقاً يتم عبر عطاءات، وعمليات الرش تتم بمراقبة من وقاية المحاصيل وعلماء الأبحاث بكل علمية وتتبع فيه طرق السلامة ولا مجال لأدوية مشكوك في سلامتها وهي تستورد من الخارج بواسطة اختصاصي الوقاية بالمشروع وتمر عبر المحاجر الزراعية بالميناء والمطار، ويضيف: ولكن الآن السوق التجاري يستورد مواد مخالفة للمواصفات والتجار أنفسهم غير ذوي اختصاص وأيضاً الجهل بمخاطر المبيدات منتشر بصورة واسعة بين المزارعين وأكثر جهلاً منهم من يتخذونها سلعة يسهل التعامل معها وتداولها في السوق كصنف عادي غابت الرقابة فغاب الضمير ورحلت عن الأبدان العافية.
مواد خطرة
يعود الدكتور صبحي ليشير إلى أن الأطعمة التي يمكن أن توجد بها مواد مسرطنة تتمثل في الحبوب والبقوليات، وأضاف: هذه قد تكون قاتلة ومسببة للسرطان، فمثلاً الحبوب مثل القمح والذرة والفول السوداني عندما تخزن هناك فطر يسمى الافلاتكونس يصيب هذه الحبوب وبه سموم تؤدي إلى السرطان والافلاتوكسن له القدرة على تحويل خلايا الكبد إلى خلايا سرطانية وكذلك الافلاتوكسن يصيب الأرز والعدس والجوز واللوز والشعير، فلذا يوصى باتباع طرق التخزين الجيدة والصحية السليمة.
الدواجن والأسماك
الكثير من المزارع تستخدم الأعلاف للدواجن ولأن الفراخ ومشتقاته أقل تكلفة وسعرًا من اللحوم الحمراء فإن استهلاكه قد زاد مما شجع على زيادة الاستثمار في هذا المجال.
وهنا يشير الدكتور أيمن “صاحب مزرعة وبيطري” إلى وجود الكثير من المواد التي تدخل في صناعة الدواجن قد تكون ذات علاقة بالسرطان ولكن لابد من استخدامها لمجابهة احتياجات السوق، ويشير إلى وجود المبيدات في جلد الدجاج وأنه من الضروري إزالة هذه الأجزاء عند الطهي حتى نقي أنفسنا احتمال الإصابة بمادة مسرطنة، وكذلك هناك أماكن تتركز فيها هذه السموم بحسب دراسات علمية مثل الكبد والمخ والكلاوى والأحشاء الداخلية فلذا يجب التقليل من تناولها.
خاصية الامتصاص
ولاية الجزيرة كسائر ولايات السودان ارتفعت فيها وتيرة الإصابة بالأمراض السرطانية حيث سجل مستشفى الأورام السرطانية ارتفاعاً في الحالات بصورة مذهلة، وحسب اختصاصيين بالمستشفى فإن الحالات ارتفعت من 197 حالة إلى 8000 حالة هذا العام فهذا الأمر يبدو مزعجاً لحكومة الولاية. وتشير الإحصائيات الى أن الإصابات وسط النساء بصورة كبيرة خاصة سرطان الثدي والمبيض، وكذلك وبحسب إحصائيات مستشفى الأورام السرطانية بلغت نسبة الوفيات 16% من نسبة المرضى الذي يقصدون المستشفيات بالولاية. ويرى دكتور جيلاني عبد الله الطيب اختصاصي الأورام بمستشفى العلاج بالأشعة بودمدني – في تصريحات صحفية سابقة – أن المبيدات والأسمدة التي تستخدم في رش الأراضي الزراعية واحدة من أسباب الإصابة بالسرطان، وهو الأمر الذي اشار إليه الخبير الزراعي النور محمد يوسف حيث يرى أن اسباب الاصابة تعود في كثير من الاحيان الى التعامل غير السليم مع المبيدات من قبل المزارع بجانب غياب طرق الحماية عند استخدام البذور المحورة وراثياً خاصة انها معروفة عالمياً بأنها مادة مسببة للسرطان والدليل العلمي على ذلك ان الطماطم لا يمكن حفظها للغد.
مخازن المبيدات
ولأن الجزيرة هي الولاية الزراعية الأولى في السودان ولانها تحتوي المشروع الأكبر توجد بها أكبر مخازن المبيدات خاصة بعد أن اتجه إليها المزارع في ظل فقدان الأرض خصوبتها فكانت جل منتوجات الأرض تحتوي على المواد المسرطنة.
وبحسب حديث أحد العاملين في الحقل الصحي بمحلية الحصاحيصا “رفض ذكر اسمه”، فإن بعض مخازن المبيدات التي كانت تستخدم إبان عافية المشروع قد تسربت بسبب خاصية امتصاص الأرض وانتشار هذه المخازن في كل أراضي الولاية ساهم بصورة كبيرة في ازدياد خاصية السمية للأرض وتلوثها بالمبيدات الخطرة إضافة إلى ذلك نجد ان بعض مطارات أو مهابط الطائرات التي كانت تستخدم في عملية الرش أضحت قنابل موقوتة تهدد صحة الأرض والإنسان معاً والذي يشكك كثير من المهتمين بالشأن الصحي في أنها واحدة من الأسباب التي أدت إلى المساهمة في انتشار السرطان وظهور بعض التشوهات الخلقية على الأطفال وذلك بسبب التسريب الذي حدث للمبيدات بفعل الامتصاص الأرضي خاصة ان بعض تلك المهابط توجد قرب النيل الأزرق مما يجعل زراعة الجروف التي تتمثل في الخضروات عرضة للتلوث وأيضاً نجد أن مخازن المبيدات أزكمت رائحتها الأنوف من على البعد وهي واحدة من اسباب انتشار السرطان بهذه المناطق الزراعية، فعملية الإزالة العشوائية لمخازن المبيدات والتنقل بمهابط الطائرات وبحسب مراقبين للوضع الصحي من غير دراسة أو معالجة للمهبط القديم تسبب في انتشار المرض وأصبح وباء يهدد صحة الإنسان وما يتناوله في جوفه من طعام يمثل خطرًا قاتلاً عليه.
الدبال أو الماروق
أحد المزارعين بالجزيرة يقول بعد أن “طلب حجب اسمه” إن الأرض قد فقدت خصوبتها وإن الحل لا يكمن في استعمال المبيدات والأسمدة القاتلة، وأردف: توجد حلول يمكن أن تكون ناجعة وذلك باستخدام المبيدات المطابقة لمواصفات الصحة، ولا توجد لها آثار جانبية فمثلاً الدبال او ما يعرف بالماروق يعتبر أسمدة طبيعية آمنة للاستهلاك وهي مفضلة عالمياً يمكنها أن تحل محل الأسمدة الكيميائية وتجعلنا ننعم بطعام آمن وخال من المواد المسرطنة، خاصة ان المزارع البسيط لا يعي مخاطر المواد الكيميائية فالمسؤولية تقع على عاتق أهل الاختصاص.
خطر اللحوم المصنعة
ويمضي الدكتور صبحي محمد أحمد ليوضح خطر اللحوم المصنعة والتي تزخر بها محلاتنا التجارية مثل الباسطرمة والمارتديلا والهامبورجر واللنشوان، فهذه المواد التي تعتبر ذات طعم مميز عند معظم الناس، إلا أنها بحسب صبحي قد تكون ذات خطورة تكمن في المواد التي تضاف إليها عند التصنيع مثل أحادي جلوتومات الصوديوم وأملاح الفوسفات ومادة النتريت التي تضاف الى اللحوم لتكسبها لوناً أحمر فهذه المادة تتفاعل مع الأحماض الأمينية المكونة للحوم لتنتج مادة النترومين وهي معروفة من المواد التي تسبب السرطان خاصة سرطان المريء والقولون وهذه المادة تدمر ـDNA الذي يمثل الشريط النووي للخلايا، إضافة الى أن معظم المواد المعلبة توجد بها مواد حافظة قد تتحول الى مواد مسرطنة، وكذلك سكر الدايت “الاسبارتام” وحلويات الأطفال التي تحتوي على الألوان والنكهات الصناعية كلها تحتوي على مواد كيميائية قد تتحول إلى مواد سرطانية قاتلة.
تقارير عالمية
التقرير الذي تم إعداده من قبل وكالة بحوث السرطان العالمية يوضح العديد من المبيدات التي تعد في إطار المواد المسرطنة مثل الملاثيون، والدييازيون، والجليفوسات حيث اُعتمد القرار ذو التحليل خماسي الأبعاد الصادر من وكالة بحوث السرطان العالمية بتصنيف المواد أعلاه من ضمن المواد التي لها القدرة المسرطنة، ولكن نسبة لضعف الرقابة فإن مثل هذه المواد تعج بها أسواق المبيدات، فهذه المواد لها القدرة على المكافحة الزراعية الناجعة ولكنها في ذات الوقت لها القدرة على التحول إلى مواد سرطانية وملوثة للطعام، ولكن بحسب شهادة أحد التجار العاملين في مجال المبيدات الزراعية (م-ع) فإن هذه المواد لها تصاريح وتأخذ عليها الدولة ضرائب ولا يوجد ضرر في التعامل معها، ولكن حديث تاجر المبيدات (م-ع) تكذبه الحقائق العلمية التي صدرت عن الوكالة العالمية لبحوث السرطان التي تضع المبيدات ضمن قائمة المتهمين بالتسبب في السرطان، وكذلك يقول احد العاملين في مجال المبيدات الزراعية والذي رفض ذكر اسمه أن هناك العديد من المبيدات غير المسجلة والتي يشتبه في أنها دخلت إلى البلاد عبر التهريب من احدى دول الجوار العربي، فهذه قد تكون من واحدة من ملوثات الطعام الذي نتناوله، ويرى أن اسباب انتشار السرطانات بالبلاد أمر خطير وباعث على الحيرة، واضاف: لابد من تدخل الجهات المسؤولة للبحث عن الأسباب الحقيقية التي تقود الى انتشار السرطان”.
تحقيق: وليد الزهراوي
صحيفة الصيحة