ما زالت أزمة الغاز لم تبرح مكانها، وما زالت الصفوف كما هي ومعاناة وتجوال المواطن وهو يحمل أنبوبته أملاً وحلماً ولا جديد يذكر غير التصريحات المخدرة والبعيدة من الواقع هي من تسيطر على الأمر. مشكلة الغاز تتحمل مسؤوليتها الحكومة ووزارة النفط على وجهه التحديد، ولا عزاء لأي مبررات لان هذه الخدمة هي أقل شيء يمكن أن تقدمه الحكومة إلى المواطن الصابر والمحتسب والقابض على الجمر بعد أن عجزت الحكومة عن توفير أبسط مقومات الحياة من مأكل ومشرب دعك عن العلاج والتعليم، والاجتماعات التي تعقد هنا وهناك ليست ذات جدوى ولا تخدم أصل المشكلة وآخرها الاجتماع الذي عقده الوالي مع الجهات المختصة وليس فيه جديد يذكر، أن تأتي الحكومة وبعد خمسة وعشرين عاماً لتبحث عن كيفية الخروج من هذه الأزمة، والله إنه لشيء معيب الزمن ده كلو قاعدين تعملوا في شنو. وسبق أن تحدثت عن هذه المشكلة في هذه الصحيفة عند حدوث الأزمة السابقة من العام الحالي، وتجددت المشكلة الآن وفي نفس العام وهو صالح للنشر عند كل عام تطل من خلاله هذه الأزمة المتجددة، والآن سعر البترول عالمياً في أدنى مستوياته العالمية، حيث يبلغ سعر البرميل فقط 37 دولاراً والغاز من أرخص المشتاق البترولية، ويصنع الغاز LPG خلال عملية تكرير النفط الخام أو يستخلص من مجرى الغازات أو النفط عند خروجهما من باطن الأرض. ويستخرج بكميات كبيرة عند عمليات تكرير البترول ودائماً ما يتم التخلص من الفائض بالحرق في الهواء وحتى وقت قريب كانت مصفاة الجيلي تلوح منها شعلة الغاز الفائض عن الحاجة، يكون LPG عند درجة الحرارة والضغط الطبيعيين في حالته الغازية. لذلك يتم نقله في قوارير حديدية مضغوطة ونظرًا لأن هذا السائل يتمدد بفعل الحرارة لا تتم تعبئة القوارير بشكل كامل ولكن بنسبة ما بين 80% و85% من سعتها. وتختلف نسبة حجم الغاز إلى السائل اعتمادا على التكوين الكيميائي وظروف الضغط والحرارة ولكنها بالعادة 250 إلى 1. ويسمى الضغط الذي يتحول عنده الغاز إلى سائل ضغط التبخر، وهذا يتغير أيضاً بتغير درجة الحرارة ونوع الغاز.
الغاز من أكثر المنتجات البترولية ارتباطاً بجميع شرائح المجتمع الغني منها والفقير لأنه من ضمن الاحتياجات اليومية في المنزل وارتباطه بغذاء الإنسان ومأكله ومشربه، ويدخل من ضمن منظومة الحياة اليومية، وهو أقل كلفة من استخدام الحطب والفحم وأكثر نظافة وحماية وحفظاً للبيئة وأسرع في إعداد احتياجات الإنسان. ووفقاً لتعداد عام 2011 في السودان، فإن عدد سكان ولاية الخرطوم الآن حوالي 12مليوناً من الأسر السودانية وحوالي 10ملايين أسرة سودانية تستخدم غاز البترول المسال كوقود للطهي. وهي تمثل .84.8% من إجمالي الأسر وهي تمثل 68% من سكان المناطق المدنية في السودان مقابل 15.2 % فقط من الأسر في الخرطوم لا يستخدمون غاز البترول المسالأي ان الحاجة الفعلية تقريباً عشرة ملايين اسطوانة غاز لولاية الخرطوم وبنسبة حاجة يوميه إلى 300 ألف اسطوانة غاز يومياً، علما ان ولاية الخرطوم توجد بها الآن حوالي (5) ملايين أسطوانة تتبع لـ(10) شركات يقوم بتوزيعها (3) آلاف وكيل، أي انه يوجد فاقد وفجوة في الكمية المطروحة في السوق مما يستجوب وجود حلول جذرية من جانب الدولة والعمل على تطوير السلعة، وذلك بإنشاء مستودعات خاصة بالولاية وجلب مستثمرين للعمل في مجال الغاز، حتى لا يكون حكراً على الشركات التي تعمل في هذا المجال وسدًا للفجوة الكبيرة التي تزيد عن 50%، وهو مدعوم من قبل الحكومة. زيادة أسعار غاز البترول المسال تعتبر مسألة حساسة سياسياً واجتماعياًَ في السودان، حيث أنها تؤثر على نمط الحياة في طبقات المجتمع السوداني الضعيفة، علما ان التمدد الأفقي للسكان والزيادة الرأسية لاستهلاك الغاز متسارعة جدا مع ثبات منحنى أصل تقديم الخدمة مما أدى إلى الانحراف المعياري الكبير الذي هو سبب المشكلة.
من الطبيعي أن يحدث تطور وزيادة ونمو في مستوى استخدام الغاز نسبة للتطور الطبيعي للنمط الثقافي لمواطني الريف والقرى وامتداد المدن وتوسعها وازدياد الحاجة إلى استخدام الغاز مع سهولة نقل وحركة اسطوانات الغاز بأحجامها وأوزانها المختلفة، ولكن ان تجهل الدولة هذا النمو والتطور والزيادة في مستوى استخدام هذه السلعة الهامة وتقف من غير ان تجتهد في وضع خطة ودراسة لهذا الوضع هذا هو المعيب لأننا دائماً ما نجهل السياسات المستقبلية ووضع الخطط والمشاريع التي تساعد في استمرارية الأوضاع بصورة سلسة ومن غير ظهور أي مشاكل مستقبليه، الدولة هي من تضع الخطة والمؤسسات هي من تنفذ هذه الخطط ولكن ان يترك الأمر عند هذه المؤسسات والشركات والأفراد فهذا هو الخطأ بعينه لان هؤلاء يسعون إلى المكاسب المادية والربحية السريعة مع ان هذه السلعة في الأساس هي سلعة خدمية لذا من الطبيعي ان تحدث هذه الندرة إذ كانت حقيقية أو مفتعلة، وسوف تتكرر إذا شئنا أم أبينا. وأزمة الغاز الحالية هي مسؤولية الجهات الإشرافية التي تدير هذا النشاط وتتمثل في الآتي: أولاً وزارة النفط، ثانيا الشركات، وثالثا الوكلاء.
وزارة النفط أهملت التخطيط وكيفية الاستفادة من فائض الغاز الناتج من عمليات تكرير البترول بالمصافي وذلك بعدم إنشاء مواعين ذات سعات تخزينية كبيرة وأهملت كذلك حجم الحاجة اليومية الحقيقية للمواطن مع استصحاب النمو والزيادة المستقبلية وعجزها عن إيجاد الحلول المناسبة بدليل رفضها للمستودعات العائمة في البحر التي أتت بها إحدى الشركات المستثمرة وعدم شروعها في توسيع المواعين وأضعف الإيمان كان على الوزارة أن نعمل على تنبيه المواطن المستهلك قبل فترة كافية من إغلاق المصفاة حتى يضع تحوطاته، واهتمت الوزارة بأشياء أخرى من استكشافات وآبار نفطية وخلافه علماً بان الكميات المنتجة محلياً لا تكفي ولا تغطي حاجة الاستهلاك مع تجاهل خطة كيفية استيراد هذه السلعة الأساسية من الدول القريبة والجارة والصديقة والتي تتميز بإنتاج الغاز بكميات كبيرة مثل قطر والسعودية نكفي حاجة المواطن مع وجود مخزون استراتيجي يكفي لفترة زمنية معقولة تجنباً لحدوث الأزمة، ولكن اعتقد أن ضعف المواعين التخزينية لذا كان العمل رزق اليوم باليوم والمسكنات التي يصرفها المسئولون لأجهزة الإعلام بأن الباخرة وصلت بورتسودان. وكلك لتحجيم دور إدارة النقل العام والبترول والذي كانت تقوم به من بدايات الإنقاذ الأولى في الإشراف والمتابعة والتنظيم ورقابة المشتقات البترولية المختلفة منذ خروجها من المستودعات إلى وصولها إلى محطات الخدمة المختلفة ومحلات توزيع الغاز، هذا الجهد كان يساعد كثيرًا في سهولة انسياب هذه المنتجات ولكن تم تهميش وتفكيك هذه الإدارة وتحجيم صلاحياتها وآلت السلطة الاشرافيه إلى وزارة النفط وهي عديمة الخبرة في هذا المجال، عدم فاعلية التنظيم والرقابة في مجال توزيع الخدمة ومتابعتها هو من الأسباب الرئيسة لظهور صفوف أمام مراكز التوزيع والطلمبات وشح وتلاعب الوكلاء والشركات بالغاز وأزمة الغاز. وكذلك شبكات النقل والترحيل وبعد المسافات بين المستودعات وزحمة الطرق لم تفكر الوزارة بطرح عطاءات لإنشاء مستودعات جديدة وإذا افترضنا أن مستودعات الشجرة القديمة تخدم منطقة الخرطوم ومستودعات الجيلي تخدم بحري وشرق النيل ومدينة أم درمان الكبرى التي هي بحجم ولاية لا يوجد بها مستودعات و من الأولى ان تنشئ وزارة النفط مستودعات بهذه المنطقة كي تخدم ام درمان بجميع مسمياتها المختلفة كرري، امبدة والأرياف الجنوبية والشمالية والمناطق الولائية المتاخمة لمدينة ام درمان وتكاد تكون ام درمان من أكثر المناطق استهلاكاً للغاز في ولاية الخرطوم.
الشركات المالكة لأسطوانات الغاز هي شركات ربحية استثمارية تسعى إلى الكسب السريع وليست لها مصلحة أو اهتمام في تقديم الخدمة إلى المواطن فقط النظرة الربحية تعبئ الأسطوانة في مستودعات الشركة تضع ربحها على الأسطوانة الواحدة تبيعها إلي الوكيل ولا يهمها بكم من السعر تصل إلى المواطن علماً بان الأسطوانة التي يستعملها المواطن تخص الشركة في الأصل وتبيعها أيضا إلى المستهلك وبأسعار عالية جدًا ولا حسيب ولا رقيب عليها ولا يوجد قانون يحمي المواطن من جشع أصحاب رؤوس الأموال، وبالتالي وجود شبهة الفساد نتيجة لعدم وجود التنظيم والرقابة والعقاب.
أما الحديث عن الوكلاء فحدث ولا حرج، أولاً الوكيل ليست لديه أية ثقافة أو اهتمام بما يقدمه للمستهلك فقط الربحية المجزية وليست الربحية المعقولة حتى لو اضطر إلى ان يحدث هو نفسه الأزمة بتخزين وإخفاء أنابيب الغاز حتى يرضخ المواطن إلى السعر الذي يرضيه ويضعه هو وقد يصل إلى أكثر من ضعف سعر الأسطوانة كما يحدث الآن، وليس من المنطق والمعقول أن يمتلك شخص واحد أكثر من توكيل بدليل أن هناك من يمتلك عشرة توكيلات وآخرين أكثر من ذلك، ويتضح أن مكامن المشكلة تنحصر أولاً في التخطيط، وثانياً إننا أصبحنا أمة من غير ضمير ونواجه مشكلة أزمة الضمير وندرة الأخلاق والنظرة التطلعية الضيقة، هذا نتاج انفراط عقد التنظيم والرقابة والعقاب.
نعم للوكيل التزامات من رسوم وإيجار وترحيل وخلافة، ولكنه يجهل ان هذه السلعة خدمية. ودائماً السلع الخدمية ليست كالربحية ذات عوائد سريعة وهي ملك للمواطن ومن حقه ان يتحصل عليها وقت شاء بالسعر المناسب والمحدد من الجهات المختصة دون أية زيادة والذي تدعمه الدولة حتى يضمن استمرار حياته وحياة أبنائه. وبما ان هذه السلعة مرتبطة بالشرائح الفقيرة والمعدمة والضعيفة فعلى الدولة ان تعمل بشتى الطرق والوسائل حتى تحافظ على ان تصل إلى المواطن البسيط بالسعر الممكن، ولكن ما يدعو إليه السماسرة وضعاف النفوس وتجار الأزمات بان يتم تحرير هذه السلعة وان تنطلق كما انطلقت كثير من الأشياء والاحتياجات وصعب التحكم فيها، هذا ما لا نرضاه أبداً، وعلى الدولة أن تحسم هذه الرأسمالية الطفيلية التي أنهكت جسد المواطن والذي لم يعد يتحمل أي جراحات أخرى وعلى الدولة ان تتحمل مسؤوليتها تجاه المواطن، ولو على الحد الأدنى وذلك بتوفير هذه السلعة. علي العموم مشكلة الغاز تتحملها وزارة النفط وهي المسؤولة الأولى والأخيرة عن هذه المعاناة الإنسانية.
عاصم السني الدسوقي
الانتباهة