قضت الصحافية بقسم المنوعات والفنون تفاؤل العامري نصف يوم كامل داخل مملكة ” المتسولين ” حيث اختارت مكانها بتقاطع شارع البلدية مع المك نمر ، لتبدأ أحداث رحلة مختلفة تماما ، وسط ضجيج السيارات وملاحقة نظارات المارة و ” المتسولين ” معا .
وقفت أمام عربة فارهة من ماركة الكامري صاحبها يجلس يمين السائق فشكله يوحي بأنه صاحب تلك العربة طرقت على الزجاج في انتظار عطفه ، لكنه فاجأني بقسوة وجبروت وهو يفتح زجاجه قائلا بكل حدة : ” ضاربة القزاز دا مالك يلا أمشي من هنا ” غادرته وفي الحلق غصة لمرارة حديثه وطريقته في التعامل فقد تمنيت أن يعتذر بلطف حاله حال الكثيرين الذين مرروا أياديهم على جيوبهم بطريقة درامية معتذرين وهم يقسمون بالخالق : ” مافي والله معليش ” رغم أن نظراتي كانت ترى انتفاخا بائنا في جيوبهم .
شاب في العقد الثالث من العمر صاحب ملامح هادئة وقفت أمامه وأنا اتوسل إليه فدار بيننا الحوار الأتي : ” والله ما عندي غير 50 جنيه ” هنا حاولت أن أظهر دهشتي متسائلة : ” حتديني ليها ؟ ” ليبتسم بخبث قائلا وهو يشير إلى المقعد الذي يجاوره : ” بديك ليها لو جيتي قعدتي ومشيتي معاي مشوار ” ! وبأمانة كنت قبل لحظات أسعد بالضوء الأحمر لأسأل أصحاب العربات الفارهة لكن هنا اختلف الوضع حيث كنت أتمنى أن تأتي الإشارة الخضراء ليغادر ذلك الشاب الذي ترك أثرا سيئا داخلي فيما قفزت إلى ذهني آلاف التساؤلات وفي مقدمتها : هل من الممكن أن يستغل بعض الناس هؤلاء المتسولات وتسول لهم أنفسهم أن يتحرشوا بهن ؟ .
بسرعة عدت إلى الوقوف بطرف الشارع وقمت باستجداء أول سيارة صادفتني وذلك حتى أكسب بعض الوقت والمعلومات قبل أن تحدث مشكلة قد تعصف بالتحقيق ، تلك السيارة التي كان يقودها رجل يظهر عليه الوقار والثراء فسألته أن يمنحني القليل من المال ولو ” جنيها ” لأشتري قطعة خبز لكنه فاجأني بسرعة وهو يمد لي قطعة ” خيار ” كان يلتهمها قبل أن يقول لي بسخرية لا تتناسب على الإطلاق مع شكله : ” هاك أمشي أفطري ” .
أطرف موقف مر بي خلال جولتي تلك ، هو مع شاب منحني جنيها قبل أن يسألني عن مدى قدرتنا على منافسة بعض المتسولات من الجنسيات الأخرى ، لأتحفظ على الرد قبل أن يجيبني وهو يغادر : ” والله الدنيا دي بت كلب خلاص حتى الشحادة بقى فيها منافسة ومحترفين ” ! .. تلك العبارة التي أكدت تماما مدى دخول النساء من الجنسيات الأخرى لمجال التسول في السودان بكثافة كبيرة .
تفاؤل العامري
صحيفة السوداني