على خلفية قيام السلطات الأردنية بإبعاد 800 سوداني وترحيلهم إلى السودان قبل يومين، كانوا يعتصمون أمام مبنى مفوضية اللاجئين احتجاجاً على سوء أوضاعهم المعيشية في الأردن بعد أن رفضت مفوضية اللاجئين منحهم حق اللجوء بسبب عدم انطباق شروط اللجوء عليهم، وهم الذين كانوا قد دخلوا الأردن بتأشيرات علاج.
نقول، خلال السنوات الماضية توافرت في السودان جميع أسباب الهجرة واللجوء والاغتراب عن الوطن بأنواعه المختلفة، لكن تلك الأسباب كانت متغيرة وليست ثابتة، ينتفي بعضها مرة ويعود السبب الآخر وهكذا، ففي بداية الإنقاذ انتعشت ظاهرة اللجوء السياسي في دول أوروبا وأمريكا بينما عادت وانتفت نسبياً في مرحلة لاحقة لتشتعل أزمة دارفور مصحوبة بفرصة جديدة لإنعاش اللجوء السياسي والإنساني ثم كانت الفترة ما بين دخول النفط وانفصال الجنوب قد جعلت نوبة الاغتراب في الدول النفطية قد هبطت بسبب ما حدث من انتعاش اقتصادي في تلك الفترة، بعدها ساءت أوضاع الاقتصاد مؤخراً فزادت الرغبة في الهجرة إلى الدول النفطية من جديد لتحسين الأوضاع المعيشية والبحث عن الاستقرار، وبالمقابل تراجع اهتمام العالم بالصراعات الداخلية في السودان وما يترتب عليها من أزمات إنسانية بسبب اشتعال بؤر الصراعات والأزمات الأمنية في سوريا والعراق فتراجع ترتيب أهمية الأوضاع الأمنية والإنسانية في السودان بالمقارنة مع تلك الدول.
وخلال كل تلك المراحل كان يحدث الكثير من الخداع والخلط المتعمد بين أسباب الهجرة من جانب المهاجرين أنفسهم خاصة أولئك الذين يقصدون أوروبا، بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية لكنهم يحاولون ركوب موجة اللجوء السياسي والإنساني بينما لا يرجو الكثير من اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي انتفاء أسباب ومبررات الحماية الدولية واللجوء السياسي من السودان.
الأعداد الكبيرة من السودانيين الحاملين لبطاقات اللجوء السياسي والإنساني وطوابير طالبي اللجوء في نوافذ مفوضية اللاجئين ومكاتبها في دول العالم المختلفة وخاصة أوروبا وأمريكا تتسبب في الإبقاء على صورة السودان الشائهة في نظر العالم، وتسهم كثيراً في صرف المستثمرين وتشكيكهم في توافر ظروف تسمح لهم بالعمل والاستثمار في السودان.
أعرف عدداً من السودانيين من طالبي اللجوء في أوروبا حفيت أقدامهم في إقناع مفوضية اللاجئين وإحضار أدلة وبراهين تثبت أنهم بحاجة إلى حماية دولية وتساعدهم على قبول طلبات اللجوء السياسي في تلك الدول فينسج بعضهم قصصاً من خياله ويصنع لنفسه تاريخاً سياسياً أو نضالياً غير موجود أصلاً.
نعم هناك ضيق اقتصادي وأوضاع معيشية صعبة في بلادنا الآن لكن هذا لا يجب أن يجعل الناس يفقدون القدرة على السيطرة على تفكيرهم والتمييز بين خيارات الهجرة المعقولة وسبلها والطرق الآمنة للهجرة في العالم.. فما نشهدها الآن هي حالة هروب بلا هدى وبلا تفكير في مخاطر ونتائج هذا الهروب غير المدروس.
الوطن ليس زنزانة موت وتعذيب حتى نستوعب كل هذه المخاطرة بالحياة للهروب منه حتى إلى إسرائيل أو الى المجهول.
هناك مسؤولية كبيرة تقع على الحكومة وعلى الصحافة في التوعية بمخاطر هذه الهجرة غير المدروسة وهذا النوع من الهروب القاتل الذي بدأت ظاهرته تستفحل.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين