ولا نزال نواصل مناصحة وزير المالية، رغم تراجعه، محذرين من اللعب بالنار التي أوشك أن يضرمها من خلال تلويحه برفع الدعم عن السلع الأساسية بما فيها الوقود والقمح والكهرباء سيما وأن الشعب السوداني (الغلبان) ما ناقص!
ومن البدائل التي يمكن أن تغني الوزير عن إشعال النيران في ثوب الحكومة كبح جماح التجنيب الذي تحول بمرور الوقت إلى أحد أكبر مداخل الفساد بل إن ما يقطع نياط القلب أنه رغم تعارضه مع القانون أصبح أمرًا محموداً يتباهى به المسؤولون ويمجدون من يمارسونه بدلاً من أن يخضعوهم للمساءلة والتجريم، وبرعت في ذلك مراكز القوى التي سماها وزير المالية نفسه بالدولة العميقة التي تحدَّثنا عنها في مقال الأمس حين تطرقنا لشركات النهب المصلّح الحكومية التي أعيت مكافحتها الطبيب المداوي.
وزارة المالية بذات العجز الذي أقعدها عن خصخصة شركات القطاع العام ظلت مكتوفة الأيدي لا تملك أن تزجر وتردع الوزارات والهيئات والأجهزة القوية التي تجنب الأموال خارج خزانة الدولة فاستسلمت أو كادت وأظن أنه قد آن الأوان لأن تنتفض وتزيح عنها رداء العجز لتعيد شعارها القديم المحمي بالقانون والمعروف بالولاية على المال العام.
في سبيل ذلك عليها أن تستنصر بأركان (حربها) بمن فيهم وزير العدل الذي أراه متحمسا لإعلاء شأن القانون ومكافحة الفساد وكذلك رئيس البرلمان الذي يملك من السلطة، إن أراد، وأكرر، إن أراد، ما يستطيع به أن يفعِّل دور البرلمان في الرقابة على السلطة التنفيذية باعتباره ممثل الشعب المفترض أنه هو السيد على السلطة التنفيذية.
يستطيع البرلمان أن يفعل الكثير لكنه للأسف يصر، في رأيي، على أن يتنازل عما منحه إياه الدستور من سلطة رقابية وتشريعية.
كذلك على وزير المالية أن يستقوي بالرئيس لإخضاع مراكز القوى التي تجنِّب المال العام والتي ترفض تصفية شركاتها المتلاعبة بالاقتصاد الوطني بل والمحطمة للقطاع الخاص من خلال التغول على نشاطه والاستقواء بسلطة قياداتها للسيطرة على السوق الذي كان ينبغي أن يكون حكراً على القطاع الخاص ولكن!!!
المراجع العام وما أدراك ما المراجع العام الذي ينبغي أن تطلق يده وعلى الوزير أن يعينه في ذلك فقد قرأنا عن الدجاج (المنفوخ) بالكيمائيات السامة في إحدى شركات مراكز القوى التي قال أحد المراجعين إنهم لا يستطيعون الاقتراب من بوابتها ناهيك عن دخولها وعلمنا عن بعض الشركات المملوكة جزئياً للحكومة والتي تضع على رأس مجالس إداراتها وزارة المالية بالمخالفة لقرارات سابقة تمنع ذلك السلوك الفاسد!
كذلك مما ينبغي أن يحرص الوزير عليه مستعيناً بالرئيس وقف الإعفاءات الجمركية والضريبية التي تُمنح للشركات الحكومية والمنظمات وغير ذلك من مراكز القوى فقد ضجَّ القطاع الخاص من ذلك السلوك المشين الذي جعل رجال الأعمال السودانيين يهربون بأموالهم المليارية واستثماراتهم الضخمة إلى إثيوبيا وغيرها، وإلى أن تنصلح أحوالنا فوالله لا جدوى من وزارة للاستثمار عاجزة عن إقناع حتى رجال الأعمال السودانيين فما بالك بالمستثمر الأجنبي؟!
أعلم أن وزير المالية يعلم أكثر منا أن في يده الكثير من البدائل التي لو توجه نحوها لانصلح حال اقتصادنا، ولم أتحدث عن الحكم الفيدرالي البعيد من العين فذلك عالم آخر يحتاج إلى مجلدات، كما لم أتحدث عن الإصلاح السياسي الذي كان سيوفر الكثير من المال المصروف على الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهذا حديث يطول.