أضحت الرقية الشرعية مهنة من لا مهنة له. كذا تدل هذه اللافتات على امتداد البلاد التي تحمل أسماء وأرقام جوالات الشيوخ الذين يقومون بهذه المهنة التي في أصلها شريفة ولكن دخلها الدخن فيما بعد، لمعرفة مشروعية هذا العمل في ضوء الشرع الحنيف وشروطه وضوابطه وكثرة المقبلين عليه من الجنسين صغاراً وكباراً ورأي علماء الشرع، والنفس في هذا الموضوع حملت (ألوان) أوراقها وكانت هذه المساحة. شيوخ مستهبلين المواطن حمد النيل إبراهيم الذي تم استنطاقه في بدء هذا التحقيق ذكر بعنف وألفاظ نارية أن هؤلاء الشيوخ مستهبلين (ساي) ذاكراً حادثة وقعت له شخصياً حينما حمل ابنته المريضة فلذة كبده التي كانت تنزف ألماً ووجعاً يذيب القلوب فجسها الشيخ قليلاً ثم قال له. إن ابنتك تحتاج إلى جلستين جلسة قبل المغرب وجلسة بعده، وكل جلسة بثلاثين جنيهاً إلى هنا والأمر طبيعي في نظره، ولكن الذي ليس طبيعياً حسب تصوره أن البنت بعد رقية الجلستين صارت أسوأ مما كانت عليه، وازدادت ألماً على ألم ووجعاً على وجع هذا طبعاً بعد وعد الشيخ القاطع له أنها بعد الجلستين ستصح وتشفى تماماً لذلك وصفهم الرجل بالاستهبال.
(1)
العبرة في الاستخدام ابن عباس الأمين طالب مختبرات طبية – جامعة أم درمان الإسلامية ذكر أن الرقية الشرعية جائزة وعلى ذلك مضى السلف والخلف،
لكن الذي لا يجوز فيها وفق اعتقادي الطمع والشره في تحصيل المال من سبيلها مثلما يفعل الأطباء، والرقية أمر تعبدي فيها قربة لله أولاً وأخيراً وفيها نفع للمسلمين قبل أن تكون مهنة يسترزق من خلفها ويمتهنها الكثيرون ووصيتي لهؤلاء الجشعين الشرهين أن يتقوا الله عز وجل في من يأتون إليهم ويلتمسون الثواب من الله عز وجل قبل تحصيل المال.
(2)
مواعيد وجلسات وتسجيل أسماء السيدة ع . أ ـ ربة منزل – ذكرت في حديثها لـ(ألوان): أن أشد ما يثير في نفسها الدهشة والحيرة أن هؤلاء الشيوخ يضربون مواعيد سلفاً للذين يسترقوهم وهذا يتنافى في نظرها ومقام المشيخة، فالشيخ هو الذي يعالج ويبتغي الأجر من الله فيجب أن يكون لهؤلاء أسوة حسنة في الصالحين السابقين وكذلك موضوع تسجيل الاسم مسبقاً ودفع مبلغاً من المال نظير المقابلة كما يفعل الطبيب فهذا فيه طمع ظاهر والجلسة التي يعقدها الشيخ لمن يريد أن يرقي له فقد تمتد الرقية إلى جلسات عديدة وكل جلسة بمبلغ من المال ومن لم يحضر مال الجلسة أو احضره ناقصاً فلا يرقي له
الشيخ وهذا ظلم وليس عدلاً وطمع فاحش وكبير.
(3)
متطفلون على المهنة نجم الدين إبراهيم ـ طالب بجامعة القرآن الكريم قسم القراءات، إبان لـ(ألوان) في إفادته عطفاً على إفادة السيدة ع. أ أن مهنة الرقية كغيرها من الأعمال التي لا تخلو من دخلوا إليها تطفلاً، طعماً في لعاعة الدنيا، وضرب مثلاً بالذي يرقي وهو لا يحسنها فبمجرد ما يتلعثم في الكلام يصيح بقوة في من حوله صلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا عليه صلوا ربما مدارياً بذلك موضع عدم الإتقان الذي تلعثم فيه، فهؤلاء المتطفلون هم وحدهم لعدم ورعهم من يضربون المواعيد ويضعون كاتباً في الاستقبال لتسجيل الأسماء ومن يحددون الجلسات وكل جلسة بالمبلغ الفلاني وأما الشيوخ الحقيقيون فأشك أنهم يقومون بذلك.
(4)
مهنة ما عندها (وجيع) هكذا بداء نور الدين حسن ناشط سياسي، ثم قال لـ(ألوان): بأن هذه المهنة أضحت بلا (وجيع) فدخل إلى رحابها كل من هب ودب، لان ليس ثمة ضوابط تضبطها ومعايير تعرف بها ومقاييس تقاس عليها فكثير من المهن والحرف لها قواعد فالمحامي لا يحترف المهنة إلا بعد أن يجتاز المعادلة والصحفي له القيد الصحافي أما هذه المهنة فلا شئ ينظمها اللهم إلا الضمير هذا إذا كان حياً أصلا لذلك بقيت (عايره ومجلودة سوط) كما يقولون. وأضاف بالقول: هنا لابد أن تتدخل الحكومة بثقلها القانوني وتغلق هذه الحوانيت والبقالات التي تحمل على واجهاتها لافتات تدل إلى الرقية الشرعية التي هي في الحقيقة محل إدرار للأموال الطائلة بلا تعب ولا نصب، وتسأل: هل يا (ترى ناس الضرائب) يعرفون ذلك أم لا يعرفون فإن كانوا يعرفون ويغضون الطرف فتلك مصيبة وإن كانوا لا يعرفون فالمصيبة أعظم.
(5)
وعن مشروعية الرقية الشرعية يقول: محاضر بجامعة القضارف د. مجدي الأمين أن الرقية الشرعية جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، فدليل القرآن عليها
وإن جاء بطريق غير مباشر فهو يكفي لقوله تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) فكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو حق من الله عز وجل لذلك رقى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ورقاه جبريل عليه السلام ورقته السيدة عائشة رضي الله عنها وقال عليه الصلاة والسلام أرقوا ما لم
تكن شرك وكان صلى الله عليه وسلم يرقي الحسن والحسين بقوله باسم الله أرقيكما من كل شئ يؤذيكما فلما نزلت المعوذتان أخذ يرقيهما بهما وترك مادون ذلك هذا دليل السنة ودليل الإجماع أن الأمة سلفاً عن خلف أخذت بالعلاج والتداوي بالرقية الشرعية ولم يشذ إلا القليل من الطوائف الضالة كالمعتزلة والجهمية وغير ذلك وهذا قليل ونادر والندور لا حكم له ولا اعتبار شروط الرقية الشرعية.
(6)
عطفاً على حديث د. مجدي ، يرى المحاضر بجامعة الجزيرة د. عبد المنعم الخليفة أن الرقية الشرعية شروط ، مستند عليها من كتاب الشيخ علي فقيه. وقال د. عبد المنعم أن من أحسن الكتب في باب الرقية الشرعية حيث ذكر من الشروط كما وردت في الكتاب أولاً : أن تكون من القرآن الكريم أو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وثانياً أن تكون جهراً باللغة العربية الفصحى خشية الدس إذا كانت بالسر من أن يدخل فيها أسماء الأبالسة (كمهروش ونهنوش وكمكوك وأولاد ماما ووطد وزهج وواح)، ثالثاً أن لا يعتقد صاحب الرقية ولا الذي يرقي له أنها أي الرقية نافعة بحد ذاتها بمعزل من الإرادة
الإلهية فهذه القناعة من كلا الشخصين مهمة جداً لان هناك كثيراً من الناس يعتقدون أن الرقية بحد ذاتها تكفي خصوصاً أصحاب العقائد المهزوزة وهذا وهم كبير جداً، رابعاً عدم التفرغ لها واحترافها واتخاذها مهنة يرتزق منها وهذا الأخير هو الذي وقع فيه كثير من هؤلاء الذين فتحوا الحوانيت
وعلقوا على واجهاتها اللافتات لاستقبال الزوار والرقي لهم نظير المال.
وشدد د. عبد المنعم على هذا الشرط الأخير عدم أخذ المال المحدد سلفاً أما إذا كنت في مهنتك حقلك ومدرستك وبقالتك وأتاك من ترقي له فرقيت له عرضاً ونقدك مبلغاً من المال عفواً دون أن تسأله أو تحدد له رقم المبلغ فهذا يجوز لذلك نرى من تفرغوا للرقية الشرعية وصارت مصدر ارتزاقهم الأول
والأخير وبالغو في أخذ الأموال الطائلة بالجلسات الطويلة فهؤلاء لصوص ليس إلا فهم ليس شيوخاً ولله الأمر من قبل ومن بعد.
(7)
أما رئيس جمعية الإمام الشافعي الفقهية والداعية الشهير بولاية شمال دارفور الشيخ عثمان حسن فقد أبعد النجعة في إفادته حيث. وقال زائد الشروط
الأربعة أعلاه شرطاً مهماً هو التقوى والورع والصلاح لمن يقوم بالرقية الشرعية فهو يرى أن كلاً من ليس تقياً وورعاً وصالحاً فلا يقترب من هذا الميدان وأحالنا إذا أردنا المزيد في هذا المجال بالرجوع إلى كتاب دكتور أسامة محمد ألعوضي (المنهج القرآني في العلاج من السحر والمس الشيطاني) فوعدناه إن وجدناه حتى لو كان في ألنت نقرأه من الألف إلى أليا. التشبث بحديث أبي سعيد أبو محمد الأثري داعية سلفي سألناه عمن يتشبثون بحديث أبي سعيد الصحيح حينما نزل وأصحابه في الحي الذي لدغ سيده فاستضافوهم فلم يضيفوهم في جواز أخذ الأجرة عليها والتفرغ لها، فقال أبو محمد غاضباً الاستدلال بهذا الحديث عن أخذ الأجرة على الرقية والتفرغ لها باطل من جوه أولاً : إن القوم استضافوا أهل الحي ابتداء فلم يعطوهم (القِرى) وهو طعام الضيف فلو أطعموهم ولدغ سيد الحي لرقوا لهم مجاناً من باب المعاوضة وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ثانياً لما كان أهل الحي بخلاء بطبعهم لم يقدموا لهم (القِرى) وقدراً لدغ سيدهم فالتمسوا له كل شئ في ظنهم يشفيه ولكنه لم يفيق.
(8)
لما جاءوا إلى هؤلاء الأغراب لعلهم يجدون عندهم شيئاً فقالوا لهم لا نقدم لكم شيئاً حتى تجعلوا لنا جُعلاً فوعدوهم خيراً فقرأ أبو سعيد لسيدهم بأم الكتاب سبع مرات فشفى الله الرجل فأعطوهم ما وعدوهم به جُعلاً من الغنم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبتم فأضربوا لي بسهم.
ثالثاً : إن تصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخذهم الغنم معاوضة لرفضهم لهم إضافتهم فلو أضافوهم ابتداء ثم بعد ذلك شرطوا أخذ الجعل لما وافقهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، رابعاً لم يثب أن أبا سعيد بعد هذه الحادثة جلس في داره وتفرغ للرقية بأم الكتاب مرتزقاً منها، إذن من يتشبثون بهذا الحديث فهو ضدهم وعليهم وليس لهم. خامساً من الأفضل للإنسان أن يرقي نفسه بنفسه ويرقي وآل بيته ، إذا أصابه أو أصابهم مكروهاً لان صاحب الوجعة أشد علماً بالأذى لذلك تكون رقيته مظنة الإخلاص والقبول عند الله عز وجل ومن الأعذار الواهية جدا أنني لا أعرف (ألا تعرف أم الكتاب هي الشافية والكافية بإذن الله مع التوبة وترك الذنب والاستغفار لله والانكسار عند بابه جل جلاله).
(9)
وفي جانب الطب النفسي يقول لـ(ألوان): البروفيسور علي بلدو اختصاصي الطب النفسي أن المجتمعات التقليدية موغلة في ألما ورائيات ، فينشأ الإنسان
منذ طفولته وهو يؤمن بالعين والمس والسحر فيكون مهيأ بالذهاب إلى هؤلاء الشيوخ رغم أن الطب النفسي وفي هذه الحالة هو الملاذ ولكن للأسف ارتبط في الأذهان أن من ذهب إليه ملتمساً العلاج فهو مجنون لذلك ابتعد عنه الناس فلجئوا إلى هؤلاء المعالجين الروحانيين لغياب الثقافة الحديثة عنهم والوعي بقيمة الطب النفسي.
(10)
من المحرر كهذا عرفنا في هذا التحقيق أن الرقية الشرعية شرعية متى ما روعي فيها الشروط التي فكرت في تضاعيف هذا التحقيق ومن الأفضل أن يرقي
الإنسان نفسه بنفسه وآل بيته وأن من يحبون استغلالها وكسب المال من ورائها لمن يتفرغون لها وأن الطب النفسي هو الملاذ الحديث العلمي المتطور ولكن ثقافة الناس التقليدية هي التي تحول بينهم والذهاب إلى الأطباء النفسيين.
يوسف عبد الله
صحيفة ألوان