سوق الموردة و”الملجة”.. رئتا أم درمان اللتان تتنفسان سمكاً

يعد أشهر أسواق السمك، ليس هنا في أم درمان فحسب، بل في أنحاء السودان، إذ إن الموردة اسم ارتبط بأسماك القرقور بصفة خاصة، حتى أطلق سكانه لقب (القراقير)، وكان الخرطوميون كلهم ما أن يحل عليهم ضيف من (الأقاليم) حتى يسرعوا به إلى الموردة لإكرامه بوجبة سمك لا نظير لها.
الموردة: علي أبو عركي
سوق الموردة للأسماك له تاريخ ضارب في القدم، وعبر كل هذا التاريخ كان بمثابة رئتي أم درمان اللتين تتنفسان سمكاً (بخياشيم) البلطي والقرقور، لكنه ظل على حاله زمناً طويلاً، محافظاً على تاريخه وإرثه التليد في طريقة تقديم الخدمة، قبل أن تأخذ به يد الحداثة تماشياً مع التطور ومجاراة للزمن، حتى يقف شامخاً كما كان.
أصل الحكاية
ابتدرنا الحديث عن السوق مع التاجر عبدالله الحاج مضوي الشهير بـ(ود ضحوي)، فقال: في الأصل كان سوق السمك بالموردة مجمعاً للصيادين من مختلف الأحياء المجاورة للموردة، قبل أن يتطور ليصبح (ملجة) للأسماك، كانت تسمى (حلقة السمك)، وكنا نبدأ العمل فيها منذ الفجر إلى الساعة التاسعة صباحاً، وفي سبعينيات القرن الماضي حدث تحول آخر في وظائف وأنشطة السوق، بعد أن وضعت حكومة مايو حجر الأساس لتدشينه سوقاً رسمياً (1975م)، وذلك في أعقاب إغلاق (زنكي الخرطوم) للأسماك. وأضاف (ضحوي): بعد افتتاح السوق انتشرت التوعية والثقافة الغذائية بفوائد اللحوم البيضاء الصحية ومذاقها الشهي، بحيث وجدت رواجاً كبيراً بين سكان المناطق المجاورة، بعد أن كان الإقبال عليها ضعيفاً ومحدوداً، بل ومحصوراً في شخصيات معينة، قبل أن يتكالب عليها الجميع ما اضطرنا إلى تأسيس اتحاد خاص بصائدي الأسماك بهدف تنظيم المهنة، وما يترتب عليها من تسويق، وهكذا رويداً رويداً أصبح السوق نموذجاً بل صار رمزاً لمدينة أم درمان كلها.
الأب الروحي
يلعب سوق الموردة للأسماك أدواراً كبيرة ومؤثرة في حياة الناس، حتى إن بعضهم يأتي حاملاً روشتة دواء ويقول: (الدكتور قال لي آكل لحوم بيضاء، لأنها طبيعية)، فالحمد لله على نعمة السمك (دا سارح وفي بحر الله سابح)، بحسب ضحوي الذي ختم إفادته بتلك العبارة المسجوعة الجميلة، فانتقلنا إلى زميله عبدالله ليواصل الحديث بقوله: كان معظم تجار السوق من الجموعية والمناطق المجاورة للموردة، بعض سكان جبل أولياء وأشهر تجار السوق كثر، منهم العم (حامد فضل المولى)، وهو من أشهر المؤسسين، ويتمتع بميزة شرفية “زي ما تقول الأب الروحي للسوق”، بالإضافة إلى: ناس عمك (محمد تجاني)، و(عبدالواحد السعيد)، و(عوض الصعايدي)، و(عبدالله البريقدار)، منهم من رحل ومنهم من توارث أبناؤه وأحفاده المهنة، كـ(أولاد ضحوي)، وناس (ساس الدين وإخوانه)، و(أولاد عبدالحافظ) وغيرهم.
تكوين اتحاد السوق
يمضي شارحاً التاجر (ود ضحوي): إن ارتكاز السوق الآن يرجع إلى اتحاد تجار وصائدي الأسماك، وهو المحرك الرئيس للسوق بالكامل، والاتحاد يقوم بمهام جسام منها تنظيم حركة الصيد ومحاربة الصيد الجائر، بالإضافة إلى توفير وحفظ الأمن وتنظيم الحركة التجارية للسوق، ومن ضمن المهام كذلك المشاركات الاجتماعية والسياسية ومختلف الأنشطة عدا الرياضية، فدروه ضعيف فيها.
من جهته، استكمل العم منصور الحديث قائلاً: إن الترابط بالسوق أجمل ما يكون، وذلك أمر يطول شرحه، فهذه علاقات ممتدة وضاربة الجذور، ومن فرط عشقنا للصيد وناس السوق، الواحد منا ينتظر متين بكرة يجي، وتشرق شمسو، عشان يلقى الناس ديل، الواحد لمن يجي هنا بحس وكأنه كتبت له حياة جديدة، وحقيقة نحن (ناس السوق) عشيرة واحدة في الأفراح والأتراح، بل أكثر من إخوة، و80% من ناس السوق أهل عديل.
كوكبة في السوق
استعرض إبراهيم ضحوي زبائن سوق الموردة، ممن أسماهم بالكوكبة السياسية والرياضية والفنية، وكشف عن أنه لا يوجد (نجم) من تلك الكوكبة لا يعرف هذا السوق، فعربية الرئيس البشير تأتي لتأخذ طلبات من السوق، ونواب البرلمان يأتون، ومنهم السيد (محمد دروس)، والفنانون يأتون ومنهم السني الضوي، وبشير عباس، والكابلي، وعماد أحمد الطيب، والشعراء على رأسهم أزهري محمد علي، ومدنى النخلي، وناس الرياضة وكرة القدم وأشهرهم، أمين زكي وعبدالرحمن زيدان، وعمك كمال طمبل، أبو هيثم طمبل، وهيثم مصطفى شخصياً، والقائمة تطول، بس الماجانا أخونا مزمل أبو القاسم، عشان كدا عايزين نوجه ليهو دعوة مفتوحة عشان يجي ونوريهو الطعم والنفس بتاعنا..!
الشوط طاعم
من جانبه، أشار ياسر عبدالله إلى أن أسماك السوق تأتي من عدة مصادر منها (بحيرة النوبة، سد مروي، النيل الأبيض)، والوارد المحلي لمحلية الخرطوم من خزان جبل أولياء، وكل أنواع السمك متوفرة هنا (عجل، كبروس، بلطي، بياض، قرقور، قرموط، دبسة، بني، برد، كامبيرا، كاس، كوارة، ساوية، وأم شفة)، والمفضل وأكثر رغبة من قبل الناس هو (البلطي)، أما الطاعم من الأسماك (البلطي والعجل)، بالإضافة لأسماك الشوك الطاعمة مثل (الدبسة، البني، الكاس، الخرشة، الكدن).
الشاغل بالنا وتاعبنا
إلى ذلك، يقول ياسر إبراهيم: إن مشكلتنا الأساسية هي الصرف الصحي، أما عن قلة الأسماك في بعض المواسم، فإن ذلك يعود لعوامل طبيعية تؤثر في الصيد، إضافة لضعف الإمكانيات والوسائل البدائية المستخدمة في الصيد، لذلك نريد وقفة قوية من قبل الجهات المسؤولة من أجل تطوير السوق، حتى نستطيع مجاراة حركة التسويق العالمية، ونحتاج في ذلك إلى دعم الدولة وتنظيم الأسعار وعدم المغالاة فيها.

التغيير

Exit mobile version