:: بعلم سلطات الدولة، يتجاوز البعض في بلادنا مرحلة الفساد إلى (مرحلة الإفساد)..وأن يتجاوز المسؤول قوانين المال العام أمر مقدور عليه بالمحاكم والصحف والتحلل..ولكن، أن يتجاوز المسؤول مرحلة فساده الشخصي إلى مرحلة إفساد المجتمع، فهذا داء لاتداويه المحاكم والصحف والتحلل ..والشاهد أن المحليات تضج بنماذج إفساد المجتمع بالتحايل على القانون في غفلة الأخلاق والضمائر، بالتحايل تكتسب المخالفات شرعية بحيث لا تبدو للناس (فسادا)..ً!!
:: على سبيل المثال، قد تجد أحدهم من القادرين على هدم الجبال وإستخراج معادنها، ومع ذلك عندما تسأله عن مهنته يُجيبك بلا حياء ( أنا متعهد ستات الشاي).. فالمحلية تتعاقد مع هذا المتعهد على تحويل أوضاع بائعات الشاي إلى ما تشبه ( حال الجواري)، بحيث يستأجرن منه الكراسي والترابيز يومياَ بالإكراه وبالأسعار الملزمة و التي لا تقبل التفاوض.. ولو فكرت إحداهن على العمل بكراسييها وترابيزها بدلا إسئجار كراسي و ترابيز المتعهد، فالويل لها و لكراسييها وترابيزها، إذ تصادر سلطات المحلية الكراسي والترابيز ولا تعيدها لصاحبتها إلا بعد الغرامة والإلتزام بأن تستأجر من العاطل المسمى في العقودات بالمتعهد ..!!
:: وعلى سبيل مثال آخر، قد تجد آخراً بحجم وقوة جون سينا، ومع ذلك عندما تسأله عن مهنته يُجيبك بلا حياء : ( أنا متعهد درداقات)..فالمحلية تتعاقد مع هذا المتعهد على تحويل صبيان وأطفال الدرداقات إلى ( أرقاء)، بحيث يستأجر منه الصبي و الطفل الدرداقة يومياً بالإكراه و بالسعر الملزم – غير القابل للتفاوض – ليكدح في الأسواق ..ولو فكر الصبي العمل بدرداقته المشتراة بحر ماله، فالويل له ولدرداقته ولأكل عيشه، إذ تصادر السلطات المحلية الدرداقة ولا تعيدها لصاحبها إلا بعد الغرامة والإلتزام بأن يستأجر الدرداقة من العاطل المسمى في العقودات بالمتعهد ..!!
:: هكذا تفسد المحليات المجتمع، بحيث يتكسب الأقوياء بعرق الضُعفاء، ويبدو أن محلية الخرطوم تسعى لتطوير إفساد المجتمع بقبح الإحتكار، ولذلك وقعت على تفاصيل عقد معيب للغاية .. فالعقد المٌعيب – شرعاً وشكلاً – ينص على إحتكار شركة الفجر للتجارة والخدمات لحق المواقع الإعلانية في كل شوارع وكباري وأسواق الخرطوم لمدة خمس سنوات بلا منافس .. بشعبة شركات الإعلان أكثر من أربعين شركة، ولكن لشركة الفجر فقط حق تركيب اللوحات في شوارع الخرطوم وجسورها وأسواقها، ثم لها حق توزيع وبيع المواقع الإعلانية – من الباطن – لشركات الشعبة الأخرى.. تأملوا، فالفجر تنافس الشركات الأخرى في سوق الإعلان، ومع ذلك هي التي تمنح وتمنع الشركات مواقع الإعلان ..!!
:: والأدهى والأمر أن المحلية لا تبالي بعدد المواقع التي تستغلها شركة الفجر لإعلاناتها أو تبعها للشركات الأخرى، وكذلك لا تبالي بأسعار البيع، إذ تكتفي باستلام مبلغ قدره (21 مليون جنيها)، سنويا من الشركة حتى ولو باعت المواقع للشركات الأخرى بخمسة أضعاف هذا المبلغ.. نعم، فالعقد لا ينص على أن يكون نصيب الشركة نسبة من عائد إستغلال وبيع المواقع كما تفعل شركات الإعلان عبر العطاءات والعقودات المثالية، بل ينص للشركة بحق التصرف في المواقع إستغلالا أو أو بيعاً للشركات الأخرى (كما تشاء)، ثم تدفع مبلغ سنوي – 21 مليون جنيها – للمحلية و تتهنأ ب (الباقي)، ولو كان ملياراً..وعليه، سيدي وزيري العدل والمالية، بعد التحية، لي رغبة في تأسيس شركة بحيث تكون متعهد تحصيل أموال الجمارك والضرائب والنفايات والمياه والكهرباء، وعلى أن تدفع للخزينة العامة سنوياً مليون جنيه فقط لاغير و(تنوم بالباقي)، أو كما تفعل شركة الفجر والذين يتسمون بالمتعهدين .. ما المانع؟، فالأخلاق والقوانين لم تعد تمنع النهب ..!!