> كثير من الذي يجري في الولايات، لا يجد طريقه للرأي العام، فرغم قلة الإمكانيات وبؤس ذات اليد، فهناك إشراقات تستحق التوقف عندها، والاقتراب منها لتحسس نبضها وملامحها، وهناك مشكلات جمة ومعضلات كبيرة وحال مزرٍ، لا يمكن تجاهله وترك الحكومات الولائية تواجه عواصفها وأنواءها ونتائجها وما يترتب عليها وحدها.
> فالحكومة الاتحادية مشغولة بهمومها وقضايا تبدو أكبر من الهم الولائي، لا تعير الولايات إلا النذر القليل الذي تستطيعه، وتركت شأنها لحكوماتها المجتهدة في التدبير والسعي دون أن تتعبأ جوانب هذه الولايات بأمل كبير.
> ومن العسير حقاً النظر إلى وضع الولايات دون الأخذ بحقيقة أن ما تعيشه ليس طارئاً ولا هبط فجأة، فالسياسات التي أفرزتها تجربة الحكم والاتحادي والكيفية التي يتم بها التعامل مع الإيرادات القومية، ونوع التعامل بين المركز والولايات، جعلت من بعض الولايات تتقدم على أخرى ليس من باب كثرة الموارد والتمتع بالمقدرات الاقتصادية الأفضل، فالقدرات الذاتية والذهنية وحسن العلاقات لبعض الولاة جعلتهم يحققون معدلات أفضل في التنمية والخدمات وتنفيذ البرامج، «وفي ذلك فليتناقس المتنافسون». ومع ذلك فإن في ولاياتنا المختلفة قضايا وأحداث ووقائع وحيثيات ينبغي على وسائل الإعلام الانفتاح عليها ورصدها ومتابعتها. المشاريع التنموية الكبرى متوقفة كلها تقريباً في الولايات، ولا تستطيع الحكومات التي لم تكمل العام، الإيفاء حتى بالتزامات الفصل الأول وتوفير مرتبات العاملين، إن لم تتكرم عليهم الحكومة الاتحادية بعطاء غير مقطوع أو ممنوع، وقلة الإيرادات الولائية مع اختلاف أسبابها وظروفها لا يعفي من المسؤولية خاصة المركز وحكومات الولايات والفشل في تطوير الاقتصاديات المحلية وإعادة الثقة في مؤسسات الحكم والدولة وتأهيلها للقيام بواجباتها للخروج من مستنقع العجز والفقر. ولعل كل الولايات المدعومة من المركز تعتمد على «السمكة» التي تعطيها لها خزينة وزارة المالية الاتحادية وليس بمقدورها على الإطلاق تعلم كيف يصطاد السمك …!
> اذا ظل التعامل والحال على ما هو عليه الآن، ستتجه الأوضاع إلى ما هو أسوأ، هناك ولايات غنية يجب أن تطلق يدها للعمل والإنتاج وتخفيف القيود الاتحادية عليها وتهيئة الظروف الملائمة لها في الانطلاق بالاستثمارات والفرص المتاحة، ومساعدتها للتحرك بحرية تجاه مصالح مواطنيها، فماتزال هناك قيود على الحكم الولائي والمحلي، وقبضة مركزية ذات يد حديدية في التمويل الداخلي والخارجي ضماناته وترتيب أولوياته التي تعد منطقة حصرية ممنوع فيها الاقتراب والتصوير، تحدد فيها الحكومة الاتحادية ما يراد فعله، ولذلك تعجز الولايات عن إتمام مشاريع البني التحتية او تكملة مشروعاتها الخدمية بشكل جيد وفعال.
> والمحزن حقاً إن حكومات الولايات في غالبها إدارات مدنية وسياسية لجيوش موظفين لا تقوى على مجابهة المشاكل المستفحلة، وبعضها يريق ماء وجهه من أجل حفنة من ملايين الجنيهات لسد النقص هنا وتلافي العجز هناك.
> ببساطة المشكلة واضحة كالشمس في رابعة النهار،لا تنتظروا شيئاً ذي جدوى كبيرة في الوقت الراهن من الولايات إلا إذا تغيرت المعايير والنظم المتبعة والإطارات العامة التي تحكم العلاقة بينها والمركز أو تتوفر وفورات مالية ضخمة تغطي الحاجة وتسد النقص وتجبر الكسر والخاطر..
> ونحن الآن ننظر في تقدير وتقويم تجربة الحكم الاتحادي، علينا أن نفكر بعمق أكبر وتحري الدقة في تحديد البطء التنموي والخدمي الذي ضرب الولايات، ولماذا زحف الفقر وأناخ راحلته وجثم على صدرها..؟ فليست هناك حلولاً عبقرية، لكن توجد حلول منطقية قادرة على جعل جزء من المستحيل ممكناً..
> فهل بإمكان الولايات أن تنطلق بقوة لو خففت الأعباء والأثقال عنها..؟ ماذا يضير الحكومة الاتحادية في ذلك؟..