لفتت مجلة (فورن بوليسي) الأمريكية الشهر الماضي إلى ظاهرة الانقلابات الدستورية في أفريقيا كبديل للانقلابات العسكرية، حيث بات الجميع يشبثون بالسلطة حتى بعد انقضاء الفترات الرئاسية المنصوص عليها في الدساتير، ثم يهرعون إلى تعديل هذه الدساتير مرة أخرى حتى تتوافق مع رغباتهم في التشبث بالسلطة. والنموذج الطازج حالياً ما يجري في بورندي التي باتت جثث الموتى تنتشر في شوارع عاصمتها بوجمبورا، بعد الهجوم الذي استهدف مقار الجيش مما أشعل فتيل الأزمة، وفجر حالة الاختقان السياسي التي تعود إلى الإعلان الرسمي عن ترشّح الرئيس البوروندي، بيير نكورونزيزا، لولاية رئاسية ثالثة، يحظرها الدستور بحسب المعارضة، في 25 أبريل الماضي، تعيش البلاد على وقع أزمة سياسية وأمنية خانقة، انطلقت باحتجاجات مناهضة لهذا الترشح، قبل أن تنزلق نحو أعمال عنف، أسفرت عن مقتل (280) شخصاً، بحسب الأمم المتحدة التي أدان أمينها العام “الخطاب التحريضي” المستخدم في بورندي. كما قالت مجموعة الأزمات الدولية، ومقرها بروكسل، إن هذا الخطاب “يماثل إلى حد مخيف” ذلك الذي كان منتشراً في رواندا قبيل المجازر التي شهدها ذلك البلد في عام 1994. وتقول التقارير الإخبارية إن العديد من السكان يهجرون حيي شيبيتوكي وموتاكورا في العاصمة بوجمبورا، وهما حيَّان كانا قد شهدا احتجاجات مناوئة للحكومة. ويقول الرئيس نكورونزيزا إن فترة ولايته الأولى لا ينبغي أن تحتسب لأنه لم ينتخب بل اختير من قبل نواب البرلمان، ولذا فهو لا ينتهك الدستور – الذي يحدد الرئاسة بفترتين – بالترشح لولاية ثالثة. وكان نكورونزيزا قد انتخب لفترة ثالثة في يوليو الماضي بـ(70) بالمائة من الأصوات.
وبات الوضع في بورندي يهدد الأمن والسلم في منطقة البحيرات كافة؛ لذلك سارعت قالت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، نكوسازانا دلاميني زوما، إنها تشعر بقلق بالغ إزاء تصاعد العنف في بوروندي. وأشارت زوما، إلى “حاجة البورونديين الملحة إلى حوار شامل، على أساس احترام اتفاق أروشا للسلام والمصالحة (الموقّع في أغسطس 2000، ومهّد الطريق لوضع حدّ للحرب الأهلية التي هزّت بوروندي من (1993 إلى 2006)، باعتباره السبيل الوحيد لحل الأزمة الخطيرة التي تواجه بوروندي.
يقود الرئيس اليوغندي يوري موسيفني حالياً جهوداً للوساطة بين الاطراف البورندية لمتصارعة باسم مجموعة دول شرق أفريقيا ولكن التحركات السلمية والسياسية لن يكتب لها النجاح في ظل استمرار القتال في شوارع العاصمة بوجمبورا التي أصبحت مسرحاً للقتال مؤخراً ولكن الاضطراب السياسي والأمني المتواصل منذ أبريل الماضي مع إعلان الرئيس خوض الانتخابات فى ولاية ثالثة غير مشروعة، وأصر على إجرائها وقد كان وفاز فيها كالعادة ولكن الاحتقان السياسي كان لابد له أن ينفجر.