لماذا أنا وابن عمي ضد مصر..!!

أمس الأول شهدت الخرطوم دراما مصرية.. مع انهيار مفاوضات سد النهضة التي تجمع مصر وأثيوبيا والسودان تم الترتيب لمؤتمر صحفي.. وزير الري المصري همس في أذن مواطنه وزير الخارجية المصري.. انتقلت الأبصار إلى حيث المهامسة ظناً أن موقفاً مصرياً جديداً سيعلن.. فوجئ الجمهور أن الوزير سامح شكري خطف بطريقة بهلوانية مايكروفون قناة الجزيرة من الطاولة التي أمامه ورماه أرضاً.. عملية تحطيم صوت الجزيرة تمت بطريقة بهلوانية حيث حجب الحراس بأجسادهم الكاميرات من رصد العملية.
الواقعة التي شغلت الناس تعبّر عن إحباط المفاوض المصري عن حصاد رحلة الخرطوم.. وكذلك تبرهن على العقلية السياسية المصرية التي تتحدث بمقياس حضارة «سبع تالاف سنة» دون الإقرار بأن ثمة تحولات جديدة على المسرح تجعل من دولة صغيرة مثل قطر ذات تأثير كبير على مجريات الأحداث على وجه البسيطة.
لم يعد خافياً أن الحكومة السودانية فرزت معيشتها ولم تربط أقدارها بالقاهرة في مفاوضات سد النهضة.. حتى العام 2102 كانت الخرطوم توالي القاهرة في قضية مياه النيل .. السودان رفض التوقيع على اتفاق عنتبي الذي يدعو لإعادة تقسيم مياه النيل.. بالفعل مضت الدول الأفريقية الخمسة أثيوبيا ويوغندا وتنزانيا وبورندي ورواندا لتوقيع اتفاق جديد.. كان بإمكان السودان ان يغير من ذاك الاتفاق إن أقبل على المشاركة في التفاصيل.. وإذا حدث ذاك كان سيكون خصماً من الموقف المصري.
في تقديري.. أن السودان لم يتعامل بعقل إستراتيجي مع ملف سد النهضة.. معظم الأضرار المادية التي ستحدث سيتضرر منها السودان أكثر من مصر.. سد النهضة الأثيوبي يقع على مشارف الحدود مع السودان .. معدل الأمان في هذا السد حوالي «5،1» مقابل «8» في السد العالي.. منطقة السد تقع داخل الأخدود الأفريقي العظيم الذي يعتبر تاريخياً منطقة حراك أرضي كثيف.. إن حدث أي انهيار ستغمر السودان كمية من المياه تعادل مياه النيل الأزرق المتدفقة خلال عام.. بحيرة السد التي ترتفع نحو «541» متراً تحوي بين جنباتها «47» مليار متر مكعب من المياه وهي تقل فقط بنحو عشرة مليارات مما يجود به النيل الأزرق.
الموقف السوداني المؤازر سراً لوجهة النظر الأثيوبية ينظر بشغف لكمية الكهرباء المنتجة من السد والمقدرة بنحو ستة آلاف ميغاواط.. هذه الكمية التي تعادل خمسة أضعاف ما ينتجه سد مروي يمكن أن توفر للخرطوم مصدراً كهربائياً جديداً وقليل التكلفة.. وبما أن السودان لم يعقد تفاهمات علنية وواضحة مع الجانب الآخر يمكن أن يكون عرضة للابتزاز الأثيوبي.. في المستقبل البعيد ومع تنامي سكان أثيوبيا ونهضتها سيتم استيعاب هذا الجزء الذي يعجز عن توفير الكهرباء للمملكة السعودية التي تحتاج عام 0202 إلى سبعين ألف ميغاواط.
في تقديري.. أن الموقف السوداني يستبطن غضباً من مواقف مصر السياسية.. مصر ولدت الكهرباء من السد العالي وأغرقت مدناً تاريخية دون أن تتبرع بإضاءة قرية واحدة في الأراضي السودانية.. قبل عشرين عاماً غزت مصر منطقة حلايب نتيجة غضب سياسي لتصرف سوداني أخرق.. من ذلك الوقت بدأت مصر تمارس التمصير القسري على سكان حلايب.. تجاهلت مصر كل الأصوات المنادية بإيجاد حلول أخرى.
بصراحة.. الآن الحكومة السودانية وجدت سانحة للثأر وسط غياب تفكير إستراتيجي مصري نحو دور السودان في الحاضر والمستقبل.

Exit mobile version