كنت باحد شوارع الابيض ؛ لامست اذناي موسيقي راقصة ؛ حسب ما لي من معرفة اظنها ذاك الصنف المسمي (الجالوا) ومرات ترسم بالتاء المربوطة ؛ اظنها موسيقي زائرية ؛ تتبعت بعيناي مصدر وجهة الصوت فرايت صبيا بسام الوجه منكبا علي غسل عربة صغيرة وقد فتح ابوابها مشرعة ؛ يغمس خرقة في ماء مخلوط بالصابون علي ايقاع نغم ويقوم قائما علي رنة طبل ؛ كان قد وضع بشكل ما (فلاش) به الموسيقي وخلق لنفسه مسرحا غير مبال او مهتم بمن حوله ؛ اعجبني اللحن الموار بالنشاط واعجبني تناسق الحركة بين خليط النغمات وضربات (الدرمز) ؛ اشهد للصبي بالموهبة الناصعة وكان يصاعد ذروة متعته بمحاولة لالتقاط بعض الكلمات وان جهل معناها من مغني صقيل حافة الصوت ؛ يزيل الفتي بطرف كمه نثار عرق علي وجهه ثم يشد للاعلي بنطال انشق عند ركبته وتراخي من الخلف ثم ينتبه لحذائه (الشدة) الذي ابتلي بالرغوة فيصب عليه دلقا من ماء سماء رحمة (باقة) مفطورة المدخل فتعيد للحذاء بعض سواد يتحول الي بياض مكلل بفتور خيوط مهترئة تدلت مثل الالسنة وربما حواف الشوارب ؛ اقتربت منه فعجل بخفض الصوت واستقبلني متهللا وكأنه يعتذر عن ازعاج طالني ؛ قلت له اعجبني اللحن والغناء وشدني رقصك ؛ طيف خجل مس ملامحه النضيره ؛ فصمت قبل ان يقول شكرا واردف احب الرقص اثناء (جلخ) سيارات زبائني ؛ قالها وهو يجمع اوراق من مقعد خلفي بحذر ويضعها بعيدا عن مساقط قبل ان يهب صائحا مدعما لقفلة في الاغنية وهو ينثي امامي هاتفا ( تووووه ..تووووه) ضحكت وضحك معي ثم قال وهو يعصر (الفوطة) هل لديك سيارة تحتاج (جلخة) قلت لا ؛ فقال طيب اجيب ليك شاي ؛ قلت شكرا ثم عدت لمجلسي تحت ظل ينأهب للانطواء وانصرف هو لسيارة اخري كانت علي موعد مع ذات الامتاع منه ؛ كان بين الفينة والاخري يشير الي باصبعه مثل علامة (لايك) فاردها نحوه (شير) ! فتعلوه الحماسة متجليا في عرض منزوع التكاليف الا من مداعبات الحاضرين ونداءاتهم له .. كاكوم .. كاكوم ود الخرطوم ؛ كان الصبي يمارس حيوية المعنويات قلت لنفسي لو ان كل منا يقبل علي الحياة بهذه الحيوية لاستقام امر الانفس الخربة وقد زاد اكباري له وهو يجلس الي جواري بعد مدة من الزمن ؛ يخرج عملات مهترئة واخري جيدة يضع جعلا في جيبه الامامي واخري في بنطاله وهو غارق في حسابات يسيرة هذه للمدرسة وتلك لامي وهذه لصندوق حليمة ! ثم تكسو وجهه ابتسامة الرضا فينهض اكثر اقبالا علي حياته .. عشت وطابت ايامك بني
بقلم
محمد حامد جمعة