نهض “بدر الدين” من مرقده مذعوراً والساعة تشير إلى السادسة إلا ربعاً.. لم يستمع كعادته لصوت أذان الفجر.. لعن الشيطان وتعوذ منه.. وتذكر أنه سهر ليلة أمس في اجتماع بمقر الحزب حتى الواحدة صباحاً.. أسرع “بدر الدين” الخطى نحو المسجد القريب جداً من منزله.. دخل المسجد ووجده خالياً.. الأنوار مضيئة والمكان خالٍ من المصلين.. هل توفى الإمام الذي كان يشعر بنوبات قلب من وقت لآخر.. دخل المسجد صلى ركعتين ولم يأتِ أحد أيقن بوفاة الإمام.. صلى الصبح لوحده.. وخرج مسرعاً لمنزل الإمام القريب من المسجد، طرق الباب بلطف لم يخرج أحد لاستقباله.. شاهد أبواب الصالون مشرعة والأنوار مضيئة.. دخل المنزل فوجده خالياً.. انتابه الخوف.. خرج للشارع الصامت، البقالة مغلقة.. لا أثر لأصوات العربات ولا الركشات.. عاد للبيت جزعاً وجد أكواب الشاي والكيك والحلويات والفطائر في انتظاره.. تحدث لزوجته عن اختفاء المصلين والإمام والمؤذن.. واختفاء صاحب البقالة.. قالت المدام (أنت ما قلت الشعب السوداني غير منتج ومستهلك)، يكون الشعب قد شعر بعقدة الذنب وخجل من أفعاله وسلوكه وقرر بالإجماع الذهاب لمناطق الإنتاج ليذرع الأرض قمحاً وذرة وقطناً.. القيادة الملهمة هي التي تحث شعبها على العمل، وحينما تصفه بالخمول والكسل والعطالة يسعى الشعب لإثبات أنه فاعل ومنتج.. لم يقتنع “بدر الدين” لأول مرة في حياته بدفوعات (أم العيال)، أخذ الهاتف واتصل بالسيد وزير الدفاع ليبلغه اختفاء المواطنين من الحي الذي يسكنه، وزير الدفاع قال إنه صلى الصبح ومعه سبعة فقط من كبار المسؤولين.. وقد تغيب عن الصلاة الإمام والمؤذن وحتى الحرس الذي أمام منزل الوزير اختفى.. أخذ الوزراء يتناقلون الأخبار عن اختفاء المواطنين.. بعضهم قال هي صنيعة من المعارضة.. هي جزء من مؤامرة أمريكية، وقال آخر إنها لعنة أصابت الشعب العاطل.. والي الخرطوم جاء تعليقه مختصراً ومفيداً الحمد لله ربنا ريحنا منهم.
قال وزير يجب أن نذهب للرئيس في منزله لحل المشكلة.. اعترض وزير الدولة الرئيس يعمل ليكم شنو يا جماعة شوفوا وزير الداخلية ومدير جهاز الأمن يقول شنو.. ركب وزير المالية سيارته وقادها بنفسه الشوارع خالية تماماً من المارة.. والسيارات.. والقاطرات توقفت.. دلف وزير المالية نحو مستشفى الخرطوم الذي كان خالياً من المرضى جميعهم، غادر المستشفى إلى أين تلك هي المشكلة.. بدأ الخوف يتسلل لقلب الوزير.. اتصل بوزيرة الرعاية الاجتماعية وأبلغها خبر اختفاء الشعب، قالت الوزيرة (أووب علينا مشو وين).. اتصل وزير المالية بوالي الشمالية “علي العوض” فوجده يبكي بأسى وحرقة لاختفاء الدناقلة والمحس والسكوت والشايقية.
قال والي البحر الأحمر إن أحياء بورتسودان سلالاب وديم عرب خالية من المواطنين.. بعض البواخر غرقت.. البصات السفرية تناثرت في الشوارع.. لم يبقَ في مدينة بورتسودان إلا الوزراء والمعتمدون والوالي ونائبه.. رهط من الوزراء اتجهوا نحو منزل الرئيس.. وجدوا طاقم الحراسة قد اختفى تماماً.. بدأت الحكومة مضطربة في الخطوة التي عليها القيام بها.. فكر وزير الإعلام “أحمد بلال” إصدار بيان هام من الناطق الرسمي باسم الحكومة يحذر فيه الشعب من اختفائه.. رفض بعض الوزراء صيغة التحذير والتهديد والوعيد، قال “جلال الدقير” يا جماعة الشعب (يكون زعلان) قاطعه “أحمد عمر” لكن مشى وين.. الجرايد لم تصدر رؤساء التحرير هواتفهم مغلقة، التلفزيون يبث نداءً من المدير العام “الزبير عثمان” يطالب المواطنين بالعودة لأماكنهم.. أخذ ولاة الولايات يتصلون بالحكومة المركزية عن اختفاء المواطنين.. تفقد “عبد الواحد يوسف” معسكر النازحين فوجده خالياً من السكان.. “عيسى آدم أبكر” أجرى اتصالاً هاتفياً قال إن المواطنين في ولايته جميعهم اختفوا ومعهم الجيش والبوليس والمتمردون أنفسهم اختفوا.
أجرى رئيس البرلمان “إبراهيم أحمد عمر” اتصالاً بالرئيس فوجدهم كلهم في منزل الرئيس تلفهم الحيرى عن الأسباب التي أدت لاختفاء المواطنين.. ونصف أعضاء البرلمان هواتفهم لا ترد والنصف الآخر قرر التجمع أمام البرلمان لمراقبة ما يحدث في الساحة. د.”عصام أحمد البشير” دعا لصلاة عودة المواطنين الذين غضبوا من حكومتهم ووزير ماليتهم الذي وصفهم بالعطالة ونواب البرلمان الذين قالوا إن مشكلة السودان في الشعب، لذلك اختفى الشعب وترك الحكومة وحدها تحكم نفسها.