يخطئ من يعتقد أنّنا عندما ندخل مدنًا جديدة نترك ذاكرتنا في المطار. كلٌّ حيث يذهب، يقصد مدينة محمّلًا بأخرى، ويقيم مع آخرين في مدن لا يتقاسمها بالضرورة معهم، ويتجوَّل في خراب وحده يراه. “وما دمت خرَّبت بيتك في هذا الركن الصغير من العالم فسيلاحقك الخراب أينما حللت ” . ولكنّك لم تكن قد سمعت بعد بقول ذلك الشاعر، ولا كنت تظنّ أنّ حقيبتك محمَّلة بهذا الكمّ من الجماجم. وإلّا فما كنت سافرت.
فاكتب إذن، أنت الذي ما زلت لا تدري بعد هل الكتابة فعل تستّرٍ أم فعل انفضاح، وهل هي فعل قتل أو فعل انبعاث.
تتمنّى لو أطلقت النار على كلِّ الطغاة بجملة، لكن من تنازل أيّها الكاتب بقلم، في نزالٍ جميع غرمائك فيه يتربّعون على عروش من الجماجم.
كان عليك قبل أن تهجم على الأوراق أن تختار كلماتك بعناية ملاكم، أن تصوِّب ضرباتك إلى القتلة، بأدنى قدر ممكن من المجازفة. أن تكتسب تلك الموهبة. موهبة كتابة كتب غبيّة، تسعى إلى سلامة صاحبها وبراءته، غير معنيّ بما تسبّبه رواية رديئة من أضرار، ولا جبن كاتب لا يمكن لقارئ أن يأتمنه على حياته أو يوصيه ثأرًا لدمه.
من تكون. لتحاول الثأر لكلّ الدم العربيّ بكتاب. وحده الحبر شبهة أيّها الجالس على الشبهات. أكتب لتنظيف مرآبك من خردة العمر، كما ينظّف محارب سلاحًا قديمًا.
ما زال للقتلة متّسع من الجاه. ولا وقت لك إلّا ساعته، تدقّ بعده في معصمك، تمدّ يدك بما يلزمها من القوّة للكتابة.
” عابر سرير ” 2003