من الأمة القومي إلى الوطني..عضوية الأحزاب.. (الباب يفوّت جمل)

(من أراد الخروج عن المؤتمر الوطني يتفضل)، المقولة بين الهلالين اطلقها المهندس ابراهيم محمود حامد مساعد رئيس الجمهورية، نائب رئيس المؤتمر الوطني، في حوار أجرته معه الزميلة صحيفة (المجهر السياسي) خلال الأسبوع الحالي. وبرر محمود لمقولته تلك بان الاحزاب ليست مكانا لقهر الناس للبقاء.
الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي المعارض، سبق المهندس محمود بمقولته تلك من قبل، وابلغ المنادين بتغيير خط الحزب السياسي من تغيير النظام الى اسقاط النظام وطي ملف الحوار بصورة نهائية وقاطعة، بان الحزب ماضٍ في خطه السياسي الاستراتيجي الذي يرجح خيار الحوار، ومن ثم أطلق مقولته الشهيرة بدعوة مناصري تيار الإسقاط بمغادرة الحزب (الما عاجبو.. الباب يفوت جمل).

وفيما يكابد مجلس شؤون الأحزاب السياسية، في ذات الوقت الأمرين من أجل تقليص قائمة الاحزاب المسجلة الثمانينية، بترغيب الاحزاب في الاندماج على اساس المدرسة الايديولوجية الواحدة، ومد جزرة تمويل الأحزاب من خزينة الدولة حال أصبح عدد الأحزاب ممكنا لدعمه، تعود مرة أخرى إلى الواجهة دعوة طرد منسوبي الأحزاب الذين يطرحون وجهات نظر غير.
وفي شأن تقليل عدد الاحزاب، دعا بعض من اهل السياسة بان يقتصر عدد الأحزاب الى حزبين؛ حزب يجمع كل تيارات اليمين مقابل حزب يضم تيارات اليسار، وفي مسعى لتقليل تشتيت الناخبين امام صناديق الاقتراع، اقترح د. حسن الترابي ـ الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض ـ اندماج تكتيكي لتلك الأحزاب خلال الفترة الانتخابية.
والشاهد أن الاحزاب في الساحة السياسية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، أصابها داء الانشطار والتكاثر الأميبي، ولاتزال طلبات تسجيل احزاب جديدة تزحم منضدة مسجل شؤون الاحزاب السياسية لمنحها شهادة تسجيل لممارسة العمل السياسي، ويبدو أن دعوة تقليل عدد الأحزاب آخذة في التلاشي.
حزبا المؤتمر الوطني والأمة القومي سجلا أعلى حالة مغاضبين، منهم من فرز عيشه السياسي وأسس حزبا جديدا ومنهم من اكتفى بالعمل السياسي خارج إطار الحزب الضيق تحت لافتة (ناشط سياسي) في فضاء متسع يسمح بالسباحة بين الضفتين، فيما اكتفى البعض الآخر بالصمت واعتكف بمكتبه الخاص.
واحدة من محاولات توحيد الأحزاب والعودة بها إلى سيرتها الأولى، تشهدها ساحة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بيد انها تتنكب الطريق، كما ان محاولة مبارك الفاضل القيادي بحزب الأمة الاخيرة لتوحيد حزب الامة القومي تعترضها كثير من المتاريس على رأسها أن كلا من أحزاب الأمة المسجلة له دستوره الذي يسيره. مبارك الذي حل حزبه (الامة الاصلاح والتجديد) من اجل وحدة حزب الامة القومي، أضحى اليوم يبحث عن ظل الوحدة بعد ان غابت شمس حزبه في صورة مغايرة لطبيعة الاشياء.
البروفيسور عبده مختار موسى المحلل السياسي والباحث الاكاديمي، قال ان دعوة قيادات الاحزاب لبعض منسوبي الحزب بالمغادرة، تعتبر مشكلة جوهرية متصلة بطبيعة الاحزاب وتركيبتها وكيفية إدارتها ، وافاد في حديثه مع (الرأي العام) أمس، بان كل الاحزاب السياسية مشخصنة، وقائمة على الرجل الواحد، او قلة او طائفة او جماعة تحتكر الحزب، وتفتقر الى الديمقراطية، وصورة الاحزاب تلك تخالف معايير الحزب السياسي المعروفة القائمة على المؤسسات وصناعة القرار والمشاركة السياسية المستمدة من القواعد والجماهير.
واشار عبده مختار الى ان العملية الديمقراطية الحقيقية في مؤسسات الحزب تخلق التوازن المطلوب، بيد ان حال الاحزاب الراهن لا تتسع مواعينه ولا تشجع على الرأي والرأي الآخر، وحسب رأي مختار هذا يعود الى التربية السودانية الأبوية الموروثة، واذا لم تتغير العقلية التي تدير الأحزاب وترتقي الى مصاف العمل الحزبي الحقيقي وتتعامل مع الرأي والرأي الآخر، فان خروج منسوبيها بدعوة او من غير دعوة سيكون ديدنها.
وذهب مختار الى ان المشاكل والصراع داخل الاحزاب ينعكس مباشرة على الاستقرار السياسي وينسحب ذلك على حياة الناس والشارع، وواحدة من سلبيات ذلك ان الجيل الجديد، لا يعبأ لتلك الاحزاب القائمة ويفتقر إلى حزب وسط يخاطب طموحاتهم وتطلعاتهم، وقال مختار ان كل الاحزاب الراهنة سوف تتلاشى لجهة ان عضويتها تمثل اقل من (5%) من المواطنين المعنيين بالعملية السياسية.
فيما اشار المحلل السياسي البروفيسور صلاح الدين الدومة أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، الى انه ليس من حق اي من قيادات الاحزاب الدعوة او التلميح لأي من منسوبي الحزب بمغادرة الحزب باسباب مخالفتهم لأطروحات الحزب او موقفه السياسي في اي من القضايا لجهة ان ذلك من مهام الجمعية العمومية للحزب، والتي يطرح فيها الرأي والرأي الآخر، وان اللجنة التنفيذية تعمل بالرأي الذي يرجح عبر وسائل الديمقراطية.
ومهما يكن من أمر، فإن بعض التصريحات التي تشير إلى أن باب الأحزاب مفتوح لمغادرة من يرغب من العضوية، يقصد بها على الأرجح وضع رسائل حارقة في بريد بعض المتململين داخل تلك الأحزاب نتاج بعض المواقف الحزبية، فهي تضع حداً لمزايدات البعض ممن لا ينتظرون شاكلة هذه التصريحات لحزم حقائب العودة للخروج من أسوار الحزب. فالتجربة الحزبية السودانية ومثلما تشير إلى غرابة تلك التصريحات عن القاموس السياسي، إلا أنها تشير كذلك الى أن أبوابها تفوت جملاً، بل جمالاً في الواقع.

الراي العام

Exit mobile version