“نافع” طبعة أخيرة

بات كثير من السياسيين (يقلدون) د.”نافع علي نافع” في أحاديثه السياسية التي (يمزج) فيها ما بين خطاب الصفوة وثقافة البدو، من رعاة الإبل ضواحي البطانة، بشرق البلاد وشمالها.. ولأن د.”نافع علي نافع” شخصية متفردة في التعبير عن نفسها.. يتوق كثير من أقرانه في الحزب والأحزاب المجاورة، لتقليد خطابه (الموجع جداً) للمعارضة، والباعث للارتياح في أوساط التيار الإسلامي الحاكم.. وقد تفرد د.”نافع” بعبارة (لحس الكوع) وغيرها من التعابير التراثية التي إن دلت على شيء، إنما تدل على أن الرجل رغم تعليمه الرفيع في جامعة الخرطوم والولايات المتحدة، لا يزال (بدوياً) على طريقته الخاصة.. و”نافع” أكثر القيادات الإسلامية في الساحة تحظى بإعجاب الشباب ،وثقتهم فيه لنظافة ثيابه من أدران الفساد وتواضعه مع الآخرين.. د.”نافع” لا يعتد برأيه كما يعتقد الذين لا يعرفونه.. تجادله فيما تعتقد أنت أنه الصواب، وإذا اقتنع برؤيتك يصبح مدافعاً عنها أكثر منك.
في الأسبوع الماضي حاول د.”الحاج آدم يوسف” النائب السابق للرئيس (تقليد) خطب “نافع” في المنابر، ولكن “الحاج آدم” (يبالغ أحياناً) في أحاديثه وتصريحاته ، فمن قصة (السواطير) إلى تعبير قطع أرجل المعارضة، إن هي تحركت في الشارع ، قد تبدو غير ملائمة للرجل الذي جلس على كرسي نائب الرئيس ،ولم يترك أثراً. ونظرة عاجلة جداً لما يقدمه اليوم، “حسبو محمد عبد الرحمن” من أداء تنفيذي ونشاط وحيوية وفاعلية وعفة لسان، قد تدل، بالمقابل ، على فشل د.”الحاج آدم” أو عدم سلامة قرار تعيينه في القصر نائباً للرئيس، بدلاً من أن يبقى في كرسي الوزير.
وبالأمس، انضم لمقلدي د.”نافع” الأستاذ “حسن إسماعيل” القادم من صفوف حزب الأمة القومي ،لفرع حزب الأمة جناح الدكتور “الصادق الهادي المهدي”، وصب “إسماعيل” غضبته المضرية على المعارضة (ليصفها بالبليدة في بيت أمها، والشاطرة في بيت الجيران)، وهي أيضاً تعابير مستوحاة من ثقافة الشارع الأم درماني، حاول “إسماعيل” تقليد د.”نافع علي نافع” ،ولكن ( بقي فرق كبير بين الياباني والتايواني).
ولأننا شعب مقلد فقد استشرت اللغة (النافعية) حتى في أوساط العسكريين الذين كانوا في السابق لا يتحدثون في اللقاءات الجماهيرية عند زيارات المسؤولين. في هذا السياق ، قد يبدو مناسبا ، التوقف عند كلمة قائد الفرقة (16) مشاة بمدينة نيالا ، والتي تقترب من طريقة نافع ونهجه في مقارعة الخصوم وردعهم . فقد قال في حشد جماهيري في منطقة بلبل أبو جازو أمس، في حضور الوالي “آدم الفكي” (نحن ما بنخاف من زول والزارعنا غير الله ، يجي يقلعنا).
وإذا كان د.”نافع علي نافع”، هو أستاذ التعبيرات المستوحاة من الثقافة المحلية لبدو البطانة، فإن كاتباً مثل “حيدر المكاشفي” اشتهر أيضاً (بافتراع) الأمثال الشعبية ،واستخدامها في تقريب المعاني، مما جعل لزاويته ألقاً خاصاً وعطرا شعبيا يفوح بتراث السودان الأوسط والسودان الغربي.. وللإمام السيد “الصادق المهدي” نصيب من استخدام الأمثال الشعبية والمقولات التراثية في التعبير عن المواقف حينما يتحدث عن (ديك المسلمية)، وعن أمثال أخرى في خطبه السياسية.
بيد أن التعبيرات الشعبية ،فيما تستخدم على طريقة “حسن إسماعيل” ود.”الحاج آدم يوسف” تصبح تعريضاً قاسياً بالخصوم أكثر منها تعبيرات ذات مدلولات نقدية وموضوعية، وفي ذات الوقت لا تمثل إهانة شخصية لأحد.. وفي كرة القدم هناك عرف وتقليد يسمى احترام المنافس.. فإذا كانت فرنسا تلاعب كمبوديا وانتصرت فرنسا بأكثر من (20) هدفاً لا ينبغي للاعبيها الاستهزاء بالمنافس.. وحينما لعبت جنوب أفريقيا بعد استقلالها مباشرة مباراة في مواجهة غانا.. وتقدمت عليها بثلاثة أهداف وأصيب “عبيدي بيليه” إصابة بالغة وحمل خارج الميدان.. وجد اللاعب “كمالو” لاعب برتموث الإنجليزي وسط الميدان خالياً من منافس حقيقي.. فوضع الكرة وصعد عليها بقدميه وهرول نحوه الحكم ومنحه بطاقة حمراء، ليخرج مطروداً من الميدان لاستفزاز الخصم وعدم احترامه.. وكثير من السياسيين وخاصة من هم في السلطة يستخدمون تعبيرات جارحة جداً، بحق المعارضة تصل مرحلة عدم احترام الخصم أو المنافس، وذلك في سعيهم لتقليد د.”نافع” الذي يعتبر نسخة خاصة جداً، نفدت من الأسواق وهي طبعة أخيرة ،لا مثيل لها.

Exit mobile version