حمور زيادة : الأصل في السودان المنع .. والأدب سبق الثورات

الكتابة نداء غامض.. وتغيير الواقع “كلام فارغ”!
الدراما تعويضية في الغرب لكنها لدينا تقود المجتمع!
“اﻷكثر مبيعاً” ظاهرة تسويقية جاذبة وقوائمها في العالم العربي غير دقيقة

أكد الكاتب والروائي السوداني حمور زيادة أن اﻷوساط الثقافية السودانية معزولة عن العالم العربي حتى أنه اكتشف الوسط السوداني وهو يكتب، لذلك لا يصل إلينا من السودان سوى الطيب صالح فقط، معتبراً أن المشكلة في السودان سياسية في المقام اﻷول، قائلاً: اﻷصل في السودان المنع، وضرب مثالين على اضطرابات السودان وتحكم اﻷمن بها قائلاً: جهاز اﻷمن السوداني قرر فجأة إغلاق اتحاد الكتاب هناك، رغم أن به كُتاب محسوبين على النظام ومعارضين لهم ثقل سياسي، إلا أن كل هذا لم يشفع لأن يستمر الاتحاد وأغلق اﻷمن أبوابه!.

المثال اﻵخر أن اﻷمن ألقى القبض على الفريق اﻷوليمبي السوداني ﻷنه كان يمارس مرانه بملابس رياضية قصيرة في إحدى نوادي الشباب، والفريق مختلط من الفتيات والفتيان، لذلك فالمناخ السياسي والاقتصادي مفتقد في السودان وبالتالي لا يساعد الكاتب على الإبداع، لذلك الكُتاب السودانيين لا يسلط عليهم الضوء.

جاء ذلك في كلمة الكاتب السوداني حمور زيادة، خلال اللقاء المفتوح الذي نظمته ساقية الصاوي مساء أمس اﻷحد مع الكاتب الكبير.

سأله “محيط” عن ظاهرة “اﻷكثر مبيعاً” وهل أفادت الكتابة، فيجيب حمور بأنها فكرة تسويقية بحكم أن اﻷدب أصبح صناعة، والإنسان بشكل عام مهووس بما يجد له رواجاً عند اﻵخرين، وبالتالي فهي فكرة “جاذبة”، لكن هل القوائم حقيقية أم لا هو أمر غير معروف بدقة، على العكس مما يحدث في الخارج، فقوائم اﻷكثر مبيعاً في الغرب ترتبط بالضرائب، فلا يمكن للناشر أن يعلن أرقام غير حقيقية ﻷنه سيحاسب عليها، لكن عندنا لا أحد يفصح عن حجم المبيعات الحقيقي، معتبراً أنه شعار جذاب، لكن يجب ألا تكون القراءات منحصرة به فقط، فقط تكون هناك اعمال جيدة سقطت من قوائم “اﻷكثر مبيعاً”.

وعن تحويل أحد نصوصه ﻷعمال سينمائية، قال في تصريحات خاصة أنه لا يرفض ذلك لكنه لم يُعرض عليه، قائلاً أننا لا ننتج نصوصاً لغيرنا، ففي أمريكا مثلاً من العادي أن نرى فيلماً عن “غاندي”، لكن سوريا لا تنتج إلا لسوريين، وهكذا المصريين، كاشفاً أن له أصدقاء سودانيين من السينمائيين طلبوا منه نصوصا قصيرة لتحويلها إلى أفلام ضمن السينما المستقلة، لكن لا يعرف ماذا تم، مؤكداً أنه غير مسئول عن النص إذا تحول للسينما فهو مسئول عمّا يكتب فقط. لافتاً إلى أنه يعمل في رواية منذ سنة لكنه لم يفصح عن مضمونها.

وفي كلمته قال صاحب “شوق الدرويش” أن اضطرابات السودان، لا تنفي عن المجتمع السوداني التنوع والحكايات، فيقول أنه تأثر في كتاباته بهذا المجتمع الثري، الذي يشبه قرية “ميس ماربل” الصغيرة، و”ميس ماربل” هي شخصية شهيرة في روايات أجاثا كريستي تفك لغز كل الجرائم المستعصية بالتطبيق على قريتها الصغيرة، السودان يشبه هذه القرية مجتمع ثري بالحكايات – كما يؤكد حمور -، قائلاً: نشأت في الثمانينات وكل بيت به مكتبة حتى لو لم تُقرأ الكتب التي تحتويها، وقد نشأت في منزل يهتم بالقراءة ويقدسها، أبي وأمي كل منهما يمتلك مكتبة خاصة به، وقد اعتادا قبل الخلود إلى النوم القراءة، حتى أن والدتي تروي عن نوادري أنني في طفولتي اندهشت حين شاهدت مسلسلاً تليفزيونياً يخلد فيه البطل والبطلة إلى النوم دون قراءة كتاب!. فقد كان الجو العام في السودان مشجعاً على القراءة في كل شارع مكتبة، تفتح أبوابها للطلاب واستعاراتهم، وكانت مجلات مصر ولبنان تصل إلينا في نفس يوم صدورها.

وحول شعوره بالغربة في مصر بعد مرور ست سنوات على إقامته بها، قال أنه حين جاء من السودان لم يكن يعرف أحد بعينه في مصر، لكنه له علاقة بالتاريخ المصري والثقافة في مصر بصفة عامة، قائلاً أنه قد يشعر بالغربة داخل السودان نفسها، فما الحال في مصر، لكنني بعد مرور ست سنوت في مصر ألفت الوجوه واﻷماكن، وبصفة عامة فأنا غير منتمي.

وعن إشكالية لماذا نكتب، يقول حمور أنه يمارس الكتابة ولا ينظِّر لها، وحين شغله اﻷمر عن الدافع وراء الكتابة جعله ذلك يبحث عن الكتاب الذي يضم الكلمات التي ألقاها حائزو نوبل وقت تسلمهم الجائزة، وﻷن الدوافع متباينة، إلا أن ما يجمعهم هو أن كل منهم لا يتقن شيئاً أو يعرفه سوى الكتابة، التي هي نداء غامض لا يمكن تفسيره، معتبراً أن الكتابة من أجل التغيير وصناعة واقع أفضل وغيره من الأسباب هو “كلام فارغ”، فالكاتب حين لا يكتب يموت، مستشهداً بما قاله أديب نوبل نجيب محفوظ أن الكاتب مثل البيت المسكون بالجان، قد يُخرج رواية واحدة، أو يتعدد الجان الذي يسكنه فيخرج أكثر من عمل، ويضيف مازحاً: لازلت مسكوناً بالكثير!.

وأكد صاحب “الكونج” أن الكتابة عنده هي وسيلته للتواصل مع العالم، الذي لا يجيد التواصل معه، وعن طقوسه في الكتابة يقول أن الإبداع عنده يرتبط بالعزلة، فحركة البشر تزعجه وتقلقه، قد يسمع موسيقى أو أغنيات عند الكتابة لكن الطقس الملازم له هو الكثير من السجائر والقهوة بالإضافة إلى الكتابة على الورق قبل أن تُنقل إلى الكمبيوتر، لا يهم إذا كانت الكتابة على الورق بأسماء مغايرة للأشخاص الذين يقصدهم أو بلغة خشنة أو حتى بها أخطاء نحوية، كل ما يهمه هو أن تخرج تلك الدفقة المحتشدة بداخله، ثم يدققها حين ينقلها إلى الكمبيوتر، مؤكداً أن الدفقة عنده لا تأتي بداهة بل بعد احتشاد، يظل المشهد بداخلي يتكون فترة طويلة، بعد أن تُلح عليّ فكرة فأبحث عنها وأرتب معلوماتي جيداً ثم أنتظر لحظة الكتابة، والخروج على الورق، لافتاً إلى أن الأدب يبحث عن المتعة، فـ”صحف المدينة الفاضلة مملة”.

وعن السياسة، يكاد يجزم حمور أن ثورات الربيع العربي جاءت تعبيراً عن اﻷدب، فالكتاب ظلوا يكتبون عن الحرية والمساواة مما ولّد ثورات الربيع العربي، فمثلاً “نقد الاستبداد” عند عبدالرحمن منيف، وفي “سباق المسافات الطويلة” نرى الصراع بين اﻷمريكي والروسي والإيراني على النفوذ في المنطقة العربية، لذلك فاﻷدب سابق على ثورات الربيع العربي التي تعد أحد ظواهر الأدب والكتابات العربية.

أما عن مقولة “الرواية ديوان العرب” فقال أن د.جابر عصفور أطلق هذه المقولة في مصر، بعد أن كان هذا أمر راسخ في العالم كله، لكننا للأسف نبتعد عن العالم مقدار عشر أو خمسة عشر خطوة، فالعالم كرّس لفكرة أن الرواية هي النموذج الحديث منذ فترة، كما أن الجوائز والشهرة ساعدت على انتشار الرواية، وهو أمر جعل هناك أعمال تُكتب بغرض الجوائز.

واعتبر حمور أن أدب الرعب أحد أنواع اﻷدب، لكنه ليس اﻷدب بمعناه الشامل، فكُتاب أدب المغامرات والرعب هم فئة مختلفة عن باقي اﻷدباء، قائلاً أن المجتمعات تمر بفترات يأس وإضمحلال وأمل ولكل فترة منهم نوع من اﻷدب يناسبها، ولا أحد يستطيع أن يقبض بدقة على المزاج العام ويعرف متى يتوجه إلى نوع من الكتابات بعينها، فمثلاً بعد ثورة 25 يناير كانت السياسة هي السائدة وابتعد الجميع عن اﻷدب، ثم عادوا إليه من جديد، فالمزاج العام متأرجح.

لكن انتشار أدب الرعب هو من علامات يأس المجتمعات، وكأن الواقع المادي غير كافي، فنلجأ إلى الماورائيات أو الغيبيات، كذلك انتشار التيارات اليمينية بين القراء والتي تأخذ موقفاً من الرواية أو كاتبها إذا ما تضمنت لفظاً أو مشهداً غير لائق، هؤلاء يجتذبهم حكايات الجن ﻷنه مذكور في القرآن هذا يتماشى مع طبيعتهم.

سأله الحضور عن أن السودان كانت جزءاً من مصر مستشهدين بما قاله الملك فاروق من قبل “السودان لنا..وبريطانيا إن أمكنا”، ليجيب حمور أن السودان كان جزءاً من مصر منذ عهد محمد علي، فلماذا نقيس على هذه الفترة فقط، مضيفاً: مصر كانت جزءاً من الخلافة العثمانية فهل يمكن ﻷردوغان اﻵن أن يقول “القاهرة لنا”،التاريخ متحرك والحدود التاريخية حددت الأماكن في الدولة الحديثة، وحدود مصر القديمة لم تعد موجودة.

أما عن فكرة البطل في الأدب الحديث، يؤكد حمور أن البطل المخلِص كان نموذجاً حين كان اﻷدب احتفائي، لكن في اﻷدب الحديث قد يكون البطل مجرد شحاذ في المدينة مثل “أحدب نوتردام”، المشكلة اﻷكبر أننا في العالم العربي نختلف عن العالم بأكمله، فاﻷدب والدراما في الغرب هي أمور تعويضية منفصلة عن الواقع، فأنا مثلاً مدمن لمسلسلات العنف الأمريكية، نجد البطل يخالف اﻷعراف والقوانين والقواعد المقيدة للضباط، فهل المجتمع اﻷمريكي يقبل بهذا في واقعه؟!، بالطبع لا ﻷنه يعرف أن الواقع يحكمه نظام وقواعد أما الدراما أمر تخيلي وتعويضي، لكنها في الوطن العربي تقود المجتمع، ونسمع من يقول أن أفلام السبكي تعلم العنف والبلطجة، المشكلة ليست في السينما أو الدراما أو اﻷدب المشكلة في المجتمع، معلناً وفاة البطل في كل العالم، قائلاً كلنا ضحايا ولا يوجد أبطال.

وعن حضور السياسة في اﻷدب أكد أنها موجودة دوماً، لكن اﻷدب ليس عليه أن يطرح أجوبة سياسية كاملة، معتبراً أن اﻷدب الذي تظهر بها الشعارات سواء دينية أو سياسية هو أدب “فاشل”، فمثلاً “خريف البطريرك” لماركيز لم يذم الديكتاتورية ولو بكلمة، لكنه كثّف غباء الديكتاتوريات في رواية، بشكل جعل المتلقي يكره الديكتاتورية ويحتقرها، كذلك فعل عبدالرحمن منيف في “شرق المتوسط” حين كتب عن الاعتقال والتعذيب بعيدا ً عن الهتاف، مؤكداً أن الحلول السياسية في الأدب ليست مياشرة.

حمّور زيادة، روائي سوداني، مُقيم بالقاهرة، صدر له عدد روايات، ومجموعات قصصية، كما حصل على عدة جوائز، منها جائزة نجيب محفوظ لعام 2014 عن رواية “شوق الدرويش”، كما رُشحت الرواية نفسها للبوكر، وبلغت قائمتها القصيرة لعام 2015.

النهار نيوز

Exit mobile version