انزعجت بشدة للتصريح الخطير الذي أدلى به مفوض اللاجئين بالخرطوم محمد مصطفى السناري، والذي كشف فيه لأول مرة عن ضلوع اللاجئين الجنوبيين في أحداث سبتمبر عام 2013.
لقد ظللنا ندندن طوال السنوات الماضية بل ونصرخ و(نكورك) حول خطر الخلايا النائمة التي لا أشك في أنها قد زرعت منذ سنوات وحول السلاح الذي خبئ منذ الفترة الانتقالية التي أعقبت اتفاقية نيفاشا.
محمد السناري أضاف لتصريحه المدوي أن أخطار الوجود الجنوبي في الخرطوم وخارجها تشمل بالإضافة إلى البعد الأمني، جوانب اجتماعية تتعلق بصناعة ونشر الخمور والدعارة والسرقة.
يحمد لمفوض اللاجئين أنه بشرنا باقتناع السلطات المختصة بأهمية نقل اللاجئين الجنوبيين إلى مناطق أخرى، حيث أشار إلى أن (6000) أسرة قد تم ترحيلها إلى منطقة جبل الأولياء، ولكن هل هذا يكفي؟!.
لعل القراء يذكرون أخبار (الكشات) والمداهمات التي نشرناها والتي قامت بها الشرطة في بعض محليات ولاية الخرطوم خاصة أمبدة، وكشفت عن اختراقات أمنية واجتماعية خطيرة من اللاجئين الجنوبيين خاصة الخمور والسرقة والدعارة.
لكن السناري لم يجب عن سؤالنا القديم المتجدد: لماذا أصلاً يسمح للاجئين الجنوبيين بالانتقال من الولايات الحدودية القريبة من الجنوب، وأعني تحديداً ولاية النيل الأبيض التي كان ينبغي أن يبقوا فيها حتى يعودوا إلى بلادهم متى ما تحسنت الأوضاع الأمنية والصحية في دولتهم؟!.
أشعر بالأسف أن الجنوب لا يزال يشكل عبئاً على السودان حتى بعد أن (اتخارج) مواطنوه وقرروا الانفصال عن الشمال.
أود أن أذكر بخلفية قصيرة عن مشكلة الجنوب ورؤيتنا حول الحل الذي نحمد الله أنه تحقق بعد مخاض طويل لأعلق بعد ذلك على ما بنبغي فعله.
عندما طرحنا وجهة نظرنا حول الجنوب كنا نعلم أننا نعوم عكس تيار كاسح من اتباع ثقافة العادة.. عادة ترسخت كثقافة تجرم من يعترض عليها بل وتدعو بالموت والثبور على من يقف ضدها.. ثقافة فرضت على شعب السودان حفظ نشيد وطني يقول (منقو قل لا عاش من يفصلنا) في وقت كان فيه ذلك المنقو ينادي آناء الليل وأطراف النهار بالانفصال عن شعب لا يطيق التوحد معه، وعن وطن لا يبغض سوى العيش في كنفه.
رأينا حولنا دولاً كثيرة تنفصل شعوبها عن بعضها بدون أن تراق قطرة دم واحدة، كما وجدنا أن الوحدة بين الشمال والجنوب لم يقررها أبناء الشعبين، إنما قررها المستعمر نكاية في الشمال بينما حرص ذات المستعمر على فصل السودان عن مصر التي لم تنفجر بين شعبها وشعب السودان حرب كالتي اندلعت بين شعبي الشمال والجنوب.
بعد الانفصال كنا نظن أن ما حدث ويحدث في دولة الجنوب من موت طال عشرات الآلاف من أبنائها بعد أن انفصلت عن الشمال ويوشك أن يمزق تلك الدولة إلى عدة دول كان كافياً لإقناع من لا يزال يعيش في أوهام الوحدة الكذوب التي فتكت بالسودان وشعبه وأرهقته ودمرت منشآته، ولكن هل آمن كل الناس بالله خالقهم حتى يقتنعوا بما يرونه أمام ناظريهم من حقائق دامغة كانت كفيلة بأن تسمع من به صمم؟!.
هؤلاء لا يزالون ينتحبون على الوحدة ويتمنون لو رجعت.. لا يهمهم أن يتحمل السودان – وكأنه ناقص- عبء الحروب التي تفتك بالجنوب وشعبه المشرد أو المجاعة الطاحنة التي تمسك بخناقه.
لقد قدس بعضهم الوحدة بالرغم من أنهم لم يقدسوا دين خالقهم سبحانه، وهكذا كان حالنا مع أولئك الذين نسوا في غمرة غفلتهم أن شعوباً كثيرة قد انفصلت عن بعضها البعض بدون أن تراق دماؤها وتدمر أوطانها.
أقول هذا بين خبر القبض على القساوسة الجنوبيين المتهمين بالتجسس وتقويض النظام الدستوري، وكذلك خبر احتلال الجيش الشعبي لمنطقة جودة الفخار قبل يومين، وما كشف عنه السناري من معلومات حول الأخطار الأمنية والاجتماعية للوجود الجنوبي.
قبل ذلك كان والي الخرطوم الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين قد كشف عن وجود نصف مليون جنوبي في ولايته يشكلون عبئاً على مرافق الماء والكهرباء والغذاء، وغير ذلك من الخدمات في بلاد تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة!.
الآن وقد اقتنع الجميع بخطر الوجود الجنوبي في الخرطوم على الحكومة الاتحادية أن تنفض يدها من تلك الأحلام الساذجة سواء تلك المتعلقة باتفاقية الحريات الأربع أو غيرها أو معاملة الجنوبيين كمواطنين، فوالله ما في ذلك ذرة من خير لهذا الوطن.