ألحظ انفلاتا في الخطاب السياسي وعنفا لفظيا غير مبرر،مشهد الحوار الماثل يقتضي ان تهدأ انفاس الجميع وتتقدم (التي هي احسن) على ما سواها من اجندة واعتبارات.
الاسبوع الماضي كان محمد الحسن الميرغني يصرعلى مهاجمة الخارجين عن طوعه داخل الحزب ويزيد على نعتهم بالدواعش ويأتي بمفردة اكثر حدة ويصفهم بـ(الخوارج).
يلزمنا قاموس معتدل لادارة الخلاف السياسي بكلمات تنأي عن التجريح، تعبر عن المواقف دون ان توغر الصدور، المنتظر من قيادي في قامة الحسن الميرغني ان ينتبه الى انه صار رجل دولة، وهو يشغل الآن منصب كبير مساعدي الرئيس عمر البشير، القاموس الذي يستخدمه الرجل في مواجهة الخصوم هو الذي احدث الارتدادات السالبة في مسيرة الحزب الذي ينزف الآن.
خروج السيد مبارك الفاضل ـ او البلدوزر كما يحلو للصحافيين تسميته ـ اعتمد على مفردات صارخة كذلك حوت هجوما على المعارضة وحزب الامة، لا اقول ان المفردات لم تكن لائقة لكن الروح التي خرجت بها التصريحات كانت تهيئ المسرح الى ردة فعل تجسدت بالفعل في تصريحات لحزب الامة وصفت حديث مبارك الفاضل عن الاوضاع داخل الحزب بانها (لعب عيال), اي والله كان هذا وصف الحزب الكبير لتصريحات مبارك الفاضل.
تراجع القاموس السياسي على مستوى الحزبين الكبيرين امر محير يدعو للاحباط، ويستوجب التنبيه من خطورة العنف والعنف المضاد، هذه احزاب ننتظر منها تقديم القدوة بدلا من ممارسة (العك السياسي) وتدوير (الملاسنات) بلا وعي.
ليس بعيدا عن ما حدث في الحزبين الكبيرين ما حملته مانشيتات بعض الصحف منسوبا للدكتور الحاج آدم يوسف القيادي في المؤتمر الوطني وموجها للمعارضة ان (من يحتمي بالاجنبي بنقطع رجلو)، لا اعتقد ان مثل هذه الروح يمكن ان تنتج واقعا جديدا في المشهد السياسي، كما انها لا تنسجم مع روح الحوار التي يدعو لها المؤتمر الوطني في حديثه عن انتقالات حقيقية في استراتيجية ادارة الدولة وتنظيم العلاقات مع القوى السياسية بما يحقق الامن والاستقرار.
نعم هنالك خطوط حمراء يلزم المؤتمر الوطني ان يذكر بها المعارضة دوما ولكن بعيدا عن اسلوب (القطع والتهديد والوعيد)، على القيادات السياسية ان تضبط ميقاتها على توقيت الجو العام اذ لايمكن ان نستخدم قاموس الحرب في ازمنة الحوار.
حسن اسماعيل الوزير القادم الى صفوف الحكومة اقدم على وصف (جماعته) في المعسكر القديم ووصف المعارضة بانها (بليدة في بيت امها وشاطرة في بيت الجيران)، ربما يختزل حسن بعض المرارات التي دفعت به الى مثل هذا الوصف الحاد بعد انتقادات عنيفة كذلك لمشاركته في الحكومة،غير ان وجوده الآن وزيرا في الدولة يستدعي منه تغيير اللغة التي كان يعارض بها الحكومة في تصفية حساباته مع المعارضة، فالمصلحة العامة تقتضي اشاعة حالة من التسامح وقبول الآخر بعيدا عن الشتائم والتجريح والاستفزاز، حسن اسماعيل حصد ما زرعه من عنف في ازمنة سابقة ولا انصحه بتكرار التجربة.
بعيدا عن الفاولات يلزم السياسيين خطاب جديد لا يؤدي لاحتقان الساحة السياسية ولا يولد العنف في الجامعات،و يعلي قيمة الحوار ويقدس ادب الخلاف ويهذب حدة الاختلاف.