توضيح واجب عن هذا المقال والمقالات الأخيرة السابقة وهي أني أكتب بكل تجرد ووطنية صادقة لا تعترف إلا بمصلحة السودان وأهله الطيبين، وأساهم بها في توعية الشعب البسيط بقدر ما أستطيع دون المجاملة ودفن الرؤوس في الرمال في مواجهة ضيق واضح من غالبية الشعب السوداني ومخططات خارجية بالغة الخطورة ومدمرة، إذا لم نعترف بها ونسعى لإبطالها والمثل السوداني الأصيل العميق (أسمع كلام الببكيك ما تسمع كلام البضحكك).. وفي هذه التوعية أرى أنها دعوة للتوحد ونبذ الخلافات والسمو فوق المرارات والأحقاد خاصة من جانب الحركات المسلحة في دارفور والمنطقتين بعد التنازلات التي قدمتها الحكومة، وهي قوية في كافة ميادين القتال تدعوهم لحوار لا يستثني أحداً-
معارضة مسلحة أو مدنية- للوصول الى حل شامل التزم الرئيس بتنفيذه، لذلك أرى أن هذه التوعية ضرورية لرفع الحس الوطني في مواجهة مخططات خارجية عاتية مستهدفة الإسلام في هذه المنطقة التي قد تشهد حرباً عالمية ثالثة- المخطط يقضي بإعادة تقسيم المنطقة بعد حرب عالمية ثالثة كما حدث في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية- النظام الحاكم الآن في السودان ليس أقوى من أنظمة العراق، وليبيا، وسوريا، ومصر قبل سنوات قليلة- سقطت هذه الأنظمة بسرعة مذهلة عندما دفنوا رؤوسهم في الرمال وأخذتهم العزة بالإثم وعدم تقدير المخططات المعادية وعدم مصالحة شعوبهم- سقط صدام عندما استجاب لطعم لأمريكا لغزو الكويت، وسقط أيضاً عندما رفض كل الرجاءات من رؤساء الدول العربية بعدم مواجهة أمريكا- سقط القذافي وهو يقول: (شدوا الجرذان زنقة زنقة) بطائرات فرنسا الحربية.. سوريا تتمزق بعد أن رفض بشار الأسد كل المحاولات للجلوس مع المعارضة السورية للوصول الى حل سلمي شامل، وسقط حسني مبارك عندما بدأت مظاهرات عارمة تندد بالغلاء وكبت الحريات وتفشى الفساد مستخفاً بها قائلاً لمن نصحوه: (خليهم يتسلوا)- المخطط في نهاياته معاد للإسلام ولكن نحن في السودان لا خوف على الإسلام لأنه متجذر في أعماق السودانيين منذ مئات السنين، ولم يأت مع الإنقاذ قبل بضع سنين، ولن تستطيع أية قوة إزالته من أعماق السودانيين- دخل الإسلام السودان عقب اتفاقية البقط عام 652م بين عبد الله بن أبي السرح والي مصر آنذاك وخالدورات ملك مملكة المغرة وصمدت هذه الاتفاقية لمدة 687 عاماً كأطول اتفاقية في العالم حتى الآن.. كانت ممالك نوباتيا، وعلوة، والمغرة مسيحية منذ العام 540م وفي الاتفاقية أهم بنود فيها الحريات الأربع- التنقل، والتجارة، والتملك، والعمل- هذه الحريات أتاحت للتجار ورجال الدين التوغل داخل السودان ونشر التعاليم السمحاء للإسلام، والتي تعمقت بقناعات تامة من السودانيين حتى قامت مملكة سنار أو السلطنة الزرقاء في القرن السادس عشر على أنقاض مملكة علوة المسيحية التي كانت عاصمتها سوبا شرق الحالية- تمددت السلطنة الزرقاء في أواسط السودان وشمالاً حتى الشلال الثالث حتى أتى محمد علي باشا التركي عام 1821م وهزم الملك بادى السابع، بعد أن ضعفت المملكة بسبب الخلافات في الحكم وعدم رضاء المواطنين..
عليه يكون حكم السودان في ظل إسلام الغالبية العظمى من السودانيين كما يلي:
– السلطنة الزرقاء (1501 -1821) والحكم التركي (1821-1885م)، وحكم المهدية (1885-1898م)، والاستعمار الانجليزي المصري (1898-1956م) وكان حكماً مدنياً مستمداً قوانينه من الشريعة في الأحوال الشخصية، و(1956-1985م) أيضاً حكم مدني إسلامي وأخيراً من (1985-2015م) حكم إسلامي يعني 514 عاماً حكماً مدنياً اسلامياً… وأخيراً إسلامياً كاملاً بكل المقاييس- الإسلام متجذر في 98% من السودانيين بقناعات وقوة لا تستطيع أية مؤامرات إزالته، والحديث عن الخوف على الإسلام في السودان ذريعة غير واردة.
موضوع هذا المقال توتر العلاقات السودانية المصرية نبدأه بحقائق تارخية تساعد في تحليل العلاقة الأزلية بين البلدين:
أولاً: السودان حكم مصر لمدة مائة عام في القرن الثامن قبل الميلاد، وبعد غزو الملك السوداني الفرعوني كاشتا ملك مملكة كوش- مصر لم تحكم السودان إلا كمقطورة (ترلة) في الحكم الانجليزي المصري منذ 1898حتى 1956م أي ثمانية وخمسين عاماً.
ثانياً: تعليم وثقافة السياسيين والمفكرين السودانيين جاءت من مصر خاصة من الأزهر، حيث تلقى معظم رجالات الدين ومعلمي اللغة العربية والديانة الإسلامية تعلموا في مصر من شيوخ الأزهر.
ثالثاً: دخلت الشيوعية السودان من مصر في الأربعينيات من القرن الماضي.
رابعاً: دخلت الحركة الإسلامية من مصر أيضاً بعد نشأة تنظيم الاخوان المسلمين في مصر على يد الإمام الشهيد حسن البنا عام 1929م وتعمقت العلاقة أكثر بعد 1954م عندما تم إعدام المفكر الإسلامي الشهيد سيد قطب، إذ نزح عدد كبير من الاخوان المسلمين وأسسوا تنظيم الاخوان المسلمين في السودان في أوائل الستينيات من القرن الماضي، ومن أبرز رموز قيادات الاخوان المسلمين في السودان علي طالب الله، وبابكر كرار، وميرغني النصري، ومحمد صالح عمر رحمهم الله ثم ناصر السيد، وجعفر شيخ ادريس، ود. حسن الترابي وكثيرون غيرهم.
خامساً: ثورة اللواء الأبيض عام 1924م كانت موالية لمصر وكانت سبباً في خروج الجيش المصري من السودان.
سادساً: رفض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مواجهة الجيش السوداني في حلايب عام 1957م إبان رئاسة المرحوم عبد الله خليل لوزارة حزب الأمة.
سابعاً: نشأ الحزب الوطني الاتحادي بزعامة المرحوم اسماعيل الأزهري موالياً لمصر ومدعوماً منها.
ثامناً: احتوى نظام مصر بقيادة عبد الناصر قادة انقلاب نوفمبر 1958م بقيادة عبود وانقلاب مايو 1969م بقيادة نميري عليهما الرحمة.
تاسعاً: أول دولة اعترفت بانقلاب يونيو 1989م كانت مصر، وبعد مشورة سفير مصر في السودان آنذاك الشربيني ودعت مصر كافة الدول العربية خاصة السعودية للاعتراف بثورة الإنقاذ مما يعني أن مصر ضالعة بشكل من الأشكال في كل التغيرات السياسية التي حدثت في السودان.
عاشراً: مصر لم تتمتع بأي حكم ديمقراطي تعددي طوال تاريخها منذ الفراعنة قبل الميلاد حتى اليوم، ولم يعرف شعبها التعددية والديمقراطية مثل السودان الذي تمتع بحكم ديمقراطي تعددي كامل الدسم في ثلاث حقب (1953-1958م)، و(1964-1959م)، و(1985-1989م).
من هذا السرد التاريخي علينا أن نحافظ على علاقتنا مع مصر بمفهوم المصالح المشتركة ونركز ونحسن نقاط القوة حتى نضيف عنصر الندية كبعد مهم الى المصالح المشتركة- ونقاط القوة تتمثل في مياه النيل، والبعد الأمني الجنوبي لمصر، والأراضي الزراعية والثروة الحيوانية والتقارب مع اثيوبيا ودولة الجنوب.. عليه يجب تقوية العلاقات مع دول حوض النيل الأفريقية التي اعترضت على قسمة مياه النيل في اتفاقية 1959م، والتركيز على الاستفادة القصوى من الثروة الزراعية بإعادة المشاريع التاريخية الزراعية الى أحسن من سيرتها الأولى، خاصة مشروع الجزيرة كأولوية قصوى، وكذلك الاهتمام بالثروة الحيوانية، وتقوية العلاقات مع دولة جنوب السودان وإعادة الوحدة بين البلدين في شكل كنفدرالي حتى تعود ثروات البترول الى فترة (1999-2011م) وتستغل عائداته في إعادة تأهيل الزراعة في السودان ليكون مركز قوة حقيقي في المنطقة تساهم في تحقيق الندية والبعد عن الدونية التي تتعامل بها مصر معنا..
وعدم التفريط في العلاقة الوطيدة الحالية مع اثيوبيا وعدم الدخول معها في الوقت الراهن في نزاع حدودي تاريخي منذ أكثر من أربعين عاماً.. والسماح لاثيوبيا وتشجيعها والمساهمة معها في إنشاء سد الألفية واستيراد كهرباء منه بما لا يقل عن الفي ميقاوط.. وعدم إثارة أو مضايقة الوجود الشعبي الاثيوبي في السودان، فهو يشكل نقطة ضعف لاثيوبيا وبقعة حساسة في علاقاتها مع السودان ثم الدخول مع اثيوبيا عاجلاً في اتفاقيات تكامل في مجالات الأمن، والزراعة، وحرية العمل والتنقل.
العلاقات مع اثيوبيا وإعادة الوحدة الكنفدرالية مع دول جنوب السودان يشكلان البعد الاستراتيجي في تقوية السودان وتحقيقه للندية المطلوبة في إجبار الآخرين على احترامنا.
والله الموفق.
تقرير : م/ عمر البكري ابو حراز
اخر لحظة