ليس من الإنصاف الحديث عن تأخر الدبلوماسية السودانية في التصدي لأوضاع السودانيين في مصر، الأداء الدبلوماسي والإعلامي كَان مُوفّقاً ومُتزامناً بالقدر الذي أحْـدَث تأثيراً جَعل الإعلام المَصري ولأوّل مرة في خانة المُدافع، بل استطاع المنطق القوي للإعلام السوداني أن ينتزع اعترافات مُقَـــدّرة من عُقلاء الإعلام المصري وهم يدعون الدولة للاعتذار.
لا أدري لماذا تتعامل بعض الأطراف في مصر بحساسية مع مَطَالب السودان للأشقاء بالانتباه إلى وجود مُعاملة غير لائقة طَالَت عَدَدَاً من السودانيين في مصر.
لم يَمض السودان بطبيعة الحال في أيّة إجراءات ضد الأشقاء المَصريين داخل أراضيه، وظَلّ التسامح عنواناً للتعامل مَعهم في الخرطوم لأنّه (لا تزر وازرة وزر أخرى)، وعلى الرغم من بعض رُدود الفعل المُتفلتة في الواتساب ووسائل التواصل الاجتماعي، إلاّ أنّ الإعلام والمجتمع والدولة في السودان أدارت الأمر بوعي يرسخ لمدى إحساسنا المُتعاظم بأهمية مصر بالنسبة للسودان.
كان بإمكان سفارتنا في القاهرة أن تغض الطرف عن البلاغات والمُلاحظات التي وصلتها بشأن إساءة التعامل مع سُودانيين من باب الحرص على اســتدامة العلاقات بلا توتر، ولشراء الاستقرار في التواصل السياسي بين البلدين على حساب كرامة السُّودانيين ولكنها بادرت برفع مذكرة احتجاج للجانب المصري ولم تشأ كذلك أن تكون المذكرة في طي الكتمان، بل عمدت إلى تَمليكها للصحف وكانت تعلم أنها ستدير مَعركة سياسية وإعلامية ترتبط بعزة وكرامة الشعب السوداني، أقدمت سفارتنا على التصدي للأمر دون أن تحركها المُعارضة أو يُناشدها الإعــلام، ولكن من بَابَ الواجب الذي تمليه أمانة التكليف على كل سُوداني صَميم يَعرف كيف تكون العزة وماذا تعني مفردة الكرامة.
اتضح لاحقاً بعد نشر حالة الحاج يحيى زكريا وحديث وزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور أمام البرلمان وتأكيده على تزايد حالات الإساءة لسُودانيين في مصر أن الأصوات التي كانت تُقلِّل من حُــدُوث هذا الأمر لم تكن على صَوابٍ وأنّ العلاقات الثنائية لابد أن تحرسها الشفافية والتعويل المُشترك على مبادئ احترام الآخر والتعامل مع تحفظاته بالجدية الكاملة، لذا فإنّ الأصوات التي ارتفعت في مصر تُطالب الحكومة المصرية بالاعتذار ومُحاكمة كل من تورّط في الإساءة لسُودانيين، أصواتٌ تجد من الشعب السوداني كل التقدير والاحترام لأنّها تنظر الى أهمية واستراتيجية التواصل الشعبي بين السودان ومصر بعيداً عن العَصبيّة والأجندة المُسبقَة التي عبّر عنها كُتّاب من شاكلة هاني رسلان.
أمس أطلقت مصر سراح (15) مُعدِّناً سُودانياً دخلوا أراضيها، الإجراء تم بعد (5) أيام من احتجازهم، في الخطوة لغة جديدة ورسالة مفادها أنّ مَلف السُّودانيين في مصر بَاتَ يَرتبط بحساسية سياسية ودبلوماسية تقتضي التعامل بشكل مُختلف، الخطوة تجد تقديراً كبيراً من الجانب السوداني بالطبع، ولكن قبل أن نحتفي بإطلاق سَراح المُعدِّنين دعونا نسأل الجانب المصري لماذا تم توقيف السودانيين منذ البداية؟ أليس للمصري حق التنقل والإقامة والعمل والتملك في السودان؟ لماذا تصر القاهرة على عدم التعامل معنا بالمثل في مسألة الحريات الأربع؟ أما آن الأوان لأن ينعم بها السودانيون في مصر، بعض هذا الاحتقان نَاتجٌ عن التزام السودان بما تَمّ التّوافق عليه في الحُـــريات الأربـــع وإغفَـــال مصر لتفعيل الاتفَــــاق
محمد عبد القادر
رئيس تحرير صحيفة الراي العام