شكوي المظلوم لغير الله
فضيلة الشيخ د عبد الحي يوسف
الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لقد ظلمت مظلمة من زوجي فيها من الخيانة والإهانة والذل وإساءة المعاملة، تركت أثراً على نفسي وخنجراً في قلبي، ولكني لجأت لله بأن يجبرني وشكوت له حالي، ودعوته كثيراً فله الحمد لم يردني صفرا.
ولكني أنا في غربة وأحياناً تراودني الشكوك والخوف على حياتي، وأريد أن أشكو لأمي التي هي صديقتي ومستشارتي وأقرب الأقربين، أريد أن أعلمها بحالي، أفضفض معها، وأسمع رأيها، فأخاف من غضب الله، إن كان يدخلني هذا في غيبة وندم وحزن قلب أمي، وأتذكر قوله تعالي {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} فهل يدخل هذا في الآية؟ وهل شكواي لها يلحقني إثم؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فلا أفضل مما صنعت من اللجوء إلى الله تعالى والشكوى إليه، وقدوتك في ذلك نبي الله يعقوب عليه السلام الذي قال لبنيه {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون}، ونبي الله أيوب عليه السلام الذي قال مخاطباً ربه: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} ونبي الله موسى عليه السلام الذي قال: {رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير} أما محمد صلى الله عليه وسـلم فقد كان حاله من الكمال والجلال بمكان عظيم؛ ولذلك حين مكر به الناس وتنكر له من في الأرض قال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس) فالله جل جـلاله هو الذي يجيب المضطر ويكشف الضر، وهو سبحانه أرحم الراحمين.
ولا حرج عليك في أن تبثي همومك إلى من يستطيع مواساتك والتخفيف عنك، وليس ذلك من الغيبة المحرمة، فقد شكت هند بنت عتبة زوجها أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسـلم بقولها: إن أبا سفيان رجل شحيح!! وجاءت المجادلة تشكو زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسـلم بقولها: نثرت له بطني؛ حتى إذا كبرت سني ورق عظمي ظاهر مني إلى الله أشكو!! فسمع الله شكواها وأنزل فيها قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة.
لكن سلي نفسك – أمة الله – هل شكواك لأمك من حال زوجك معك سيخفف عنك أم أنك ستنقلين آلامك وأحزانك إلى الوالدة، فتكونين سبباً في تعكير صفوها وتكدير مزاجها دون أن تملك لك شيئاً؟؟ وهل الأفضل أن تبثي شكواك إلى الوالدة أم الأفضل الصبر والاحتساب حتى يقضي الله أمراً كان مفعولًا، خاصة وأنك تذكرين أن الله تعالى ما خيَّب ظنك، بل إنك تلمسين آثار لطفه ورحمته جل جـلاله؟ أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجبر كسرك وينفس كربك ويعجل فرجك، وأن يرزقك صبراً جميلا وفرجاً قريبًا؛ إنه أكرم مأمول وخير مسئول، والحمد لله رب العالمين…