1- والطائرة تطوي بنا المسافات مابين طيات السحاب, ألقيت ظهري إلى كرسي طائرة الخطوط التركية الوثير , ومن حسن حظي أن من يجاورني على ( الصامت), مشغول بالشاشة الإلكترونية التي أمامه وغير مكترث بي , شابا يبدو أنه ( شامي الملامح ) , لم يتفوه طوال الرحلة بكلمة , بغير إلقاء التحية وهو يهم بالجلوس بمقعده إلى جواري , ولم يكن من الركاب مدمنو الثرثرة الذين يصيبوا من يجاورهم بالصداع ! المضيفات الحسناوات يتحركن بهدوء تام وهن يوزعن الإبتسامات و الأطعمة والمشروبات الحلال , يسألنك عن طلباتك همسا ,كانت هذه الأجواء مغريه لإطلاق عنان الخيال, كيف تبدو هذه الديار ؟ فالبرغم من المعلومات والصور التي طالعتها من الشبكة العنكبوتية قبل الرحلة , ولكن من خلال تجربتي في الأسفار ( ليس من سمع أو قرأ كمن رأي).
-2- بقدر ما اطلقت العنان لخيالي ما كنت أتوقع أن المدينة بهذا الجمال, اسطنبول, التي تغير اسمها عبر التاريخ لعدة مرات , بيزنطة, القسطنطينية , الاستانة , اسلامبول وتطلق بالتركية العثمانية استانبول وبالتركية الحديثة إسطنبول . أي مدينة (التلال السبع) مدينة ساحرة فاتنة في الجمال, الماء والخضرة والوجه الحسن أول ما تصافح وجهك, والأجواء الربيعية العليلة تنعش الروح والجسد, وتوجد منك إنساناً آخرا مفعما بالحيوية والنشاط! نظرت من نافذة الطائرة قبل الهبوط فوجدت نفسي فوق طبيعة ساحرة من البحار والخضرة والغابات والجبال , التي تتخلها مساكن وشوارع تتلألأ أنوارها غاية في الجمال.
-3- هبطت بنا الطائرة بمطار أتاتورك الفخم والضخم الأنيق الذي يعج بالحركة والنشاط والذي يستقبل في اليوم أسرابا من الطائرات وصلت أعدادها إلى 1260 طائرة , نظرت إلى المدرج الشاسع فشاهدت أعدادا كبيرة من أسطول طائرات الخطوط التركية رابضة بالمطار, سألت نفسي إذا كانت هذه هي الرابضة فكم أعداد الطائرة منها, تذكرت النقلة النوعية التي نقلها ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ ﺭﺟﺐ ﻃﻴﺐ ﺍﺭﺩﻭﻏﺎﻥ لبلاده في ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﻻﺕ ﺍﻷﻗﺘﺼﺎﺩﻳﻪ ﻭﺍﻷﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻪ والخدمية، ﻭمنها ﺍﻟﺨﻄﻮﻁ ﺍﻟﺠﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ التي فازت ﻛﺄﻓﻀﻞ ﻧﺎﻗﻞ ﺟﻮﻱ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻝ 3 ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺍﻟﻲ !! اسطنبول او استانبول منصة انطلاقة نجاحات اردوغان التي كان عمدتها يوماً ما , جميع تفاصيلها عبارة عن رسائل صامتة تفصح عن النجاح, قال لنا السائق الذي إشتعل رأسه شيباً , أن هذه المدينة الفاتنة التي تشاهدونها كانت قبل أعوام اكواما من الأوساخ ورائحة النفايات تزكم الأنوف , تنفست الصعداء وانتعش الأمل في دواخلي أن لا مستحيل أن تتغير الخرطوم كما تغيرت اسطنبول , إذا تغيرت العقول !
-4- التغيير في تركيا بات ملموساً لاتخطئه العين, فما تنقله المسلسلات ليس له أثر يذكر على الواقع المعاش, المآذن تشق عنان السماء, و الشوارع محتشمه ومنضبطه , حتى الشواطيء لاتشاهد إلا حالات ( نشاذ ) من السياح وليس من أهل البلاد, ينظر لها الناس شذرا !! توقفنا أمام صرافة لاستبدال دولارات بالليرة التركية, زاد سعر الصرف في ثوان معدودات بفارق مختلف عما كان يقف أمامنا وسبقنا في التحويل بثوان , فناولنا الموظف الزيادة في منتهى الصدق والأمانة. إعتصر حينها قلبي ألما على الجشع والطمع الذي يعيشه المتعاملون في سوق العملة ببلادنا !! البلاد تعيش بخطط واستراتيجيات ليس هناك خبط عشواء, البائع في السوق يحدثك عن خطة اردوغان لتركيا الجديدة بحلول 2023 لتصبح بين أكبر 10 قوى عالمية!
الشعب يعتز ببلاده ويحبها حتى النخاع , لاحظت أن العلم التركي فاقع الاحمرار يعتلي جميع الدور والمساكن والبنايات, كما يطل من نوافذ الشقق والعمارات في مشهد يعبر عن ( مكانة وحب الوطن) , الجميع مهموم ببناء الوطن ولو بأضعف الإيمان , بائعة تعمل في إحدي المحلات طلبتنا الدعاء لاردوغان لتحقيق مشروع تركيا الجديدة بنهاية 2023 ! قلت في نفسي ( أجد) من كده ؟ وعلمت أن هناك رؤية لتركيا حتى العام 2073 م , تجيب على سؤال ماذا سنعمل لنكون بلدا آخرا قمة في الرقي بعد خمسة عقود !!
بقلم : محمد الطاهر العيسابي
motahir222@hotmail.com