السؤال خدعة، ومباغتة للآخر في سرّه. وكالحرب إذن، تصبح فيها المفاجأة هي العنصر الحاسم . لذا، ربّما قرّر الرجل صاحب المعطف أن يسرق منها سؤالها، ويتخلّى عن طريقته الغريبة في التحاور.
تلك الطريقة التي أربكتها طويلاً، وجعلتها تختار كلماتها بحذر كلّ مرّة، سالكة كلّ المنعطفات اللغويّة، للهروب من صيغة السؤال، كما هي تلك اللعبة الإذاعيّة التي ينبغي أن تُجيب فيها عن الأسئلة، دون أن تستعمل كلمة «لا» أو كلمة «نعم».
تلك اللعبة تناسبها تمامًا، هي المرأة التي تقف على حافة الشكّ. ويحلو لها أن تجيب «ربّما»، حتى عندما تعني «نعم»، و«قد» عندما تقصد «لن». كانت تحبّ الصيغ الضبابية، والجمل الواعدة ولو كذبًا، تلك التي لا تنتهي بنقطة، بل بعدّة نقاط انقطاع.
وكان هو رجل اللغة القاطعة.
كانت جمله تقتصر على كلمات قاطعة للشكّ، تراوح بين «طبعًا» و«حتمًا» و«دومًا» و«قطعًا».
وبإحدى هذه الكلمات، بدأت قصّتهما منذ سنة. تمامًا كما بإحداها انتهت منذ شهرين.
تذكر أنّه يومها، قطع المكالمة فجأة، بإحدى هذه الكلمات المقصلة، وأنّها بقيت للحظات معلّقة إلى خيط الهاتف، لا تفهم ماذا حدث.
اكتشفت، بعد ذلك، أنّه لم يكن بإمكانها أن تغيّر شيئًا.. فتلك الكلمات ما كانت لغته فحسب، بل كانت أيضًا فلسفته في الحياة، حيث تحدث الأشياء بتسلسل قدريّ ثابت، كما في دورة الكائنات، وحيث نذهب «طوعًا» إلى قدرنا، لنكرّر «حتمًا » بذلك المقدار الهائل من الغباء أو من التذاكي، ما كان لا بدّ «قطعًا» أن يحدث، لأنّه «دومًا» ومنذ الأزل قد حدث، معتقدين «طبعًا» أنّنا نحن الذين نصنع أقدارنا!
” فوضى الحواس ”