لولا ان المتحدث هو والي الخرطوم, ولولا ان المناسبة كانت هي انعقاد مؤتمر شرطي خاص عن الوضع الجنائي في ولاية الخرطوم, لولا ذلك ما كان لأحد أن يصدق أن خمسة وعشرين في المائة من سكان العاصمة من الأجانب.
نعم.. صدق أو لا تصدق , فتلك المعلومات أوردها السيد الفريق أول مهندس ركن عبد الرحيم محمد حسين والي ولاية الخرطوم يوم أمس في مؤتمر القضايا المؤثرة على الوضع الجنائي والأمني بكبرى ولايات السودان من حيث التعداد السكاني, والذي انعقد بدار الشرطة في بري, بناء على توصية من لجنة أمن الولاية.
الآن علينا أن نتعايش مع هذه المشكلة إلى أن نجد لها حلاً أو مقترحات حلول, وهي مشكلة الوجود الأجنبي في عاصمة بلادنا, وهو ما دعا إحدى صحفنا اليومية إلى أن تصدر صفحة يومية بلغة أو لغات يستخدمها مواطنو إحدى دول الجوار الافريقي, وقد أصبحت الآن هي صحيفتهم المفضلة, تجدها في (تندات) الركشات وعلى مناضد صالونات الحلاقة وعلى مقاعد أو بسطات (الجنبات) وهي المطاعم الشعبية التي تقدم طعام دول الجوار خاصة من جهة الشرق.
الشرق ليس وحده ولن يكون, فأقدام قاصدي الهجرة و(الاستقرار) في بلادنا تغبرها رمال صحارى الغرب الافريقي, ويغطيها طين وأوحال الجنوب.. فالسيول البشرية الآن تتدفق من كل صوب وناحية واتجاه نحو بلادنا.
مؤتمر الأمس ناقش الآثار الأمنية السالبة المترتبة على هذه الهجرات , وهي مخاطر تستوجب إعمال مبدأي الحيطة والحذر في طريقة رصد وتسجيل ومتابعة ومراقبة أوضاع هؤلاء المهاجرين, الذين يأتون إلى بلادنا طمعاً في أوضاع أفضل رغم معاناة شعبنا نفسه, لكنهم يرون أن الأوضاع في بلادنا أفضل كثيراً من الأوضاع في بلادهم.. ونحن نعاني, لكن الذي يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته.
المخاطر الأمنية تقترن أيضاً بمخاطر أخرى تهدد أمننا الاجتماعي والثقافي والصحي, وللاستدلال على بعض ذلك علينا أن نرجع البصر كرتين, لنرى الصالونات الخاصة بحلاقة وتصفيف الشعر وإلى جانبها المطاعم الافريقية, وحولها يثور دخان عوادم الركشات التي لا تنقطع حركتها طوال اليوم من وإلى تلك المحلات, يقودها شباب غريب, يصادر فرص أبنائنا في العمل.
وهناك البوتيكات الخاصة ببيع المستلزمات النسائية, وعليها لافتات غير عربية بلغات تخاطب هؤلاء الذين دخلوا بيوتنا وزادوا من معاناة بلادنا في تضخيم فاتورة استهلاك الدقيق والأغذية .. وقد ضمت كثير من أحياء مدننا في ولاية الخرطوم عشرات البيوت والمنازل التي يدخلها شباب صغار السن لا نعرف ماذا يفعلون داخل تلك المنازل الغامضة , ولازالت صورة الفتاة التي واقعها خمسة من الشباب وسط ضحكات وابتهاج من الجميع, مازالت ماثلة في الأذهان ومازال البعض يتداولها.
المخاطر كثيرة وكبيرة وخطيرة.. ففي الناحية الصحية ارتفعت نسبة الإصابة بمرض فقدان المناعة ( الايدز), والأسباب معروفة وواضحة , كما ارتفعت نسبة الإصابة بمرض الكبد الوبائي الذي انتشر وأخذ يقضي على الآلاف, ونحن ننظر ونتفرج دون أن نفعل شيئا سوى الترحم على موتانا أو الشكوى من عدم قدرة الحكومة على توفير العلاج.
والمخاطر أكبر وأكثر وأخطر, تخيل أن الخرطوم التي يقيم فيها ثمانية ملايين مواطن ربعهم من الأجانب, وتختلط الأجناس والثقافات والأطعمة في أحيائها وأسواقها , تخيل كيف يمكن أن تنظر لها حكومات بعض دول الجوار, وهي ترى في بعض مواطنيها جماعات مناوئة لأنظمة الحكم في بلادها, أو ترى في بعض الأجانب عملاء لدول أخرى تناصبها العداء.. الخرطوم ستتحول إلى ساحات لصراع أجهزة مخابرات كثير من الدول , وكثير من هؤلاء أجانب يتسلل إلى بلادنا لواذاً ويبقى فيها إلى حين ميسرة , أو إشارة من الخارج للهجرة, لتنشط تجارة أخرى غير مشروعة هي تجارة البشر.
الوجود الأجنبي مهدد أمني خطير.. الأمن العام في خطر والصحة أيضاً والثقافة والمعتقدات والاقتصاد كذلك.. تخيل أن نصف الأجانب-مثلاً- يحول شهرياً مبلغ مائة دولار فقط إلى خارج السودان, المبلغ سيكون مائة مليون دولار.
الحكومة وحدها لن تقضي على الظاهرة إذا لم يضع المجتمع يده على يدها, والشرطة وحدها لن تستطيع معالجة المخاطر لو لم تجد العون من المجتمع السوداني المحلي.. لابد من دراسة الظاهرة والبحث عن حلول عاجلة وآجلة, وإلا فإن بلادنا ستظل مهددة على الدوام.