السودان ومصر البلدين الشقيقين تربطهما علاقات أزلية ضاربة جذورها في عمق التاريخ.. علاقات مصاهرة ومزاوجة وانصهار في بوتقة واحدة ولا يكاد أحد يشك في مدى الترابط والتواصل والتراحم والتوادد الموجود أصلاً بين السودان ومصر وبين السوداني وشقيقه المصري وبين المصري وشقيقه السوداني.. فقد بدأ التواصل بين البلدين الشقيقين في كافة المجالات وعلى وجه الخصوص في مجال التعليم العالي حيث تخرجت أعداد هائلة من الطلاب السودانيين في الجامعات المصرية واستفادت أعداد كبيرة وضخمة من المصريين من خيرات السودان الزراعية والصناعية والتجارية والعكس كذلك.. بل امتد التواصل ليشمل تبادل التجارة بين البلدين وكذلك المصاهرة والتي شملت أعداد كبيرة من الأسر المصرية والسودانية والسودانية والمصرية وهذا مما زاد الترابط أكثر وعزز المواقف بعيداً عن ساس يسوس.. فالعلاقة السودانية المصرية والمصرية السودانية علاقة حسب ونسب وإخوة وعروبة وإسلام ونيل.. النيل من نشوة الصهباء سلسلة.. وساكنوا النيل سمَّار ونُدمان.. فالعروبة توحدنا والإسلام يوحدنا ويلم شملنا ويحسم خلافاتنا ويعزز من مواقفنا.. والنيل الذي ارتوينا من ظمئه سوياً وبمياهه الوفيرة شقينا الأرض وزرعنا الزرع فشبعنا وارتوينا وقوي عودنا ورفعنا رأسنا فوق ولسان الحال يردد.. نحن أبناء النيل ترعرعنا وتربينا في كنفه.. فلا أحد يستطيع أن يفصل الجلد عن الرأس «مصر يا أخت بلادي يا شقيقة».. «سوداني الجوة وجداني بريدو».
ما دعاني لكتابة هذه السطور ما سمعته عن أنباء تجعلني بين مصدق ومكذب بأن السودانيين الذين يذهبون إلى مصر بغرض العلاج أو التجارة أو السياحة يعاملون معاملة غير كريمة ولا تليق بتاريخ العلاقات الأزلية الناصعة البياض بين الشعبين الشقيقين بدعاوى سياسية وإجراءات ما أنزل اللَّه بها من سلطان في حق الأخوة العربية والإسلامية وعلاقة الحسب والنسب.. وإن كان الذي يُروى ويتداوله الرأي العام في شأن السودانيين في مصر وأحياناً ينقل بالصور إن كان الذي يحدث فهو صحيح فينبغي في المقام الأول أن نضبط أعصابنا ثم نتروى ونتحرى في الأمر ونتثبت قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) سورة الحجرات الآية «6».. وبعد التحري والتثبت في الأمر يمكن بعد ذلك على جهات الاختصاص أن تحدد موقفها أي وزارة الخارجية، ولذلك ولحساسية الموقف والعلاقة القوية والأزلية التي تربط بين الشعبين الشقيقين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتدنس هذه العلاقة وفق أهواء الذين يريدون لشعبهم الذل والهوان والدخول في مرحلة العصيان والنسيان.. فالعلاقات السودانية المصرية أزلية فأحياناً هنالك من يريد أن يعكِّر صفو هذه العلاقة لتحقيق أجندة خارجية أجنبية تقضي على الأخضر واليابس بل تخلق صراعاً يقود للاحتراب والمحصلة في النهاية خراب ودمار وإشانة سمعة لهذين البلدين الشقيقين.. ففي هذه المرحلة الصعبة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية فالأوباش لنا بالمرصاد وقد وضعوا خطتهم لزرع الفتن وخلق المعارك بين الشقيقين في البيت الواحد، وتدمير البنية التحتية ونهب الثروات واستقطاب ذوي النفوس الضعيفة لخلق بلبلة بين أهلهم وذويهم وشق الصفوف من أجل حفنات من الدراهم والدولارات ليحطموا بها كل بناء أسس على التقوى.. فانتبهوا أيها السادة فهنالك مؤامرات تدار وتدبر بليل لتشويه العلاقات السودانية المصرية وخلق معارك ونزاعات وفتن أحياناً باغتصاب الأرض وتارة بتعذيب البشر وتارة باخفاء الحقائق من أجل الحفاظ على وجه السلطان وتارة بمبررات واهية ما أنزل اللَّه بها من سلطان.. فنحن في السودان لا نرضى الهوان وأصحاب تاريخ وإرث مطرز ومحلى ومزخرف بآي القرآن وأصحاب عز وكرامة وشهامة ونحاس يضرب ويرز ومن شيمنا أن نصفح الصفح الجميل ونتجاوز في كثير من الأحايين عن من ظلمنا ولكن من يستفزنا ويشهِّر بنا فلسان حالنا يقول له بلغة العساكر «كما كنت» ووقتها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. ما يدور هذه الأيام وما نسمعه ونشاهده بالصور عبر المواقع الاسفيرية إن كان صحيحاً وغير مدبلج عن أهلنا السودانيين في مصر والمعاملات الوحشية التي ينالوها من قبل المنسوبين لسدنة السلطان فتكون كارثة وإن لم يتدارك الأمر بالعقل والحكمة وضبط النفس واتخاذ القرار الصائب الذي يحفظ ماء وجه السودانيين في مصر تكون الكارثة الكبرى والعواقب الوخيمة التي تظلل سماء العلاقات بين البلدين الشقيقين.. وفي الوقت الراهن لا بد من التحرك الدبلوماسي السريع اليوم قبل الغد بين الطرفين في البلدين الشقيقين قبل أن يستفحل الأمر وإطفاء نار الفتنة في مهدها قبل أن تقضي على الأخضر واليابس.
أماه لا تجزعي فالحافظ اللَّه
إنا سلكنا طريقاً قد خبرناه
في موكب من دعاة الحق نتبعهم
على طريق الهدى إنا وجدناه
على مناحية يا أماه مرقدنا
ومن جماجمنا ترسي زواياه
أماه لا تجزعي بل وأبسمي فرحاً
فحزن قلبك ضعف لست أرضاه
أرضعتني بلبان العز في صغري
لا شيء من سطوة الطاغوت أخشاه
أماه لا تشعريهم غلبوا أماه لا تسمعيهم منك أواه
إنا شمخنا على الطاغوت في شمم
نحن الرجال وهم يا أم أشباه لا تجزعي لفتى
إن مات محتسباً فالموت في اللَّه أسمى ما تمناه
أماه لا تجزعي فالحافظ اللَّه فهو الوكيل لنا بالغيب أماه
اللهم زدنا ولا تنقصنا وثبتنا على الحق ووحد كلمتنا وألف بين قلوبنا وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ووحد وقوي صفنا وأنصرنا على من عادانا وظلمنا وأجعلنا من الذين قال فيهم المولى عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) سورة فصلت الآية «30».
عبد الرحمن حلاوي
الانتباهة