بعد الخريف ظهرت ضفادع صغيره تتجول في البيوت وعمت الظاهرة، ولم تكن الضفادع تظهر بهذه الصورة وكأنها حيوان أليف واجتاحت كل مدن العاصمة.. الآن شكا زميلنا “محمد محمد خير” من تكاثر الضباب (بكسر الضاد جمع ضب) في حلتهم وفي مسكنه، وفعلاً هي ظاهرة كثيفة في كل مدن العاصمة وضواحيها، وقد أفاد بحيلة وضع بيضة مفرغة أماكن وجود الضباب، فلا تعود أبداً وقد جرب ذلك ونجح بحجة خوف الضباب من الثعابين، فهم وجبة شهية لها والبيضة تلك كناية عن وجود الثعبان ومع تحفظي على أنانية الفكرة في أنك تطرد الضباب فيبحثون عن ملاذ آمن عند الجيران.. ومن قبل ومازال يفتي لنا بتناول مشروب القنقليز لعلاج الكولسترول، وقد أقسم لي مصاب بالكلسترول أنه بعد شربه للقنقليز بطريقة راتبة ذهب للفحص بعد شهر ووجده قد نزل نزولاً جباراً.. وقد قرأت تقريظاَ لموقفه في الاعتذار بشجاعة نادرة، وهذا ليس بغريب على صديق الزمن الجميل “محمد محمد خير”.
وتفكرت في أسلوب “محمد”.. وفي لغته الرفيعة.. وفي استشهاداته الذكية ومخزونه المعرفي والمعلوماتي في التراث العربي والغربي قديمه وجديده.. وتمثلت أشعاره ومواقفه وعنّ لي عن إعجاز منه أن يكون ناثراً بقامة شاعر.. فمن أين أتى بهذه اللغة الشفيفة الآسرة.. هي لغته التي اجترحها من ثقافة عريضة.. البعض يأخذ عليه تقلبه في البلاد وفي تخوم السياسة، ولعل هذا ما أثر على شخصيته فقد أخذ من كل مشرب نهله.. أخذ من حزب الأمة صفاء الانتماء، ومن الاتحاديين أن يبقى عتبة للداخل والخارج، ومن البعثيين صلابة الفكر المؤسسي، ومن الناصريين تبريراتهم الذكية، ومن الشيوعيين خبثهم الرشيد، ومن المستقلين انتظارهم حتى يشوفوا آخرتـا.
إن قرأت لـ”محمد محمد خير” ولم يعجبك الرأي فأنت حتماً ستستمتع باللغة الرفيعة.. وحتماً ستستفيد من المعلومات المنثورة بين ثنايا الموضوع.. “محمد محمد خير” شاعر مطبوع.. صنع القصائد وزفرها ووشاها بطريف الأفكار وملاحة الطرح.. أزعم أنه أول أو من أوائل من افترع قصيدة النثر عربياً من الخرطوم هو.. و”التجاني سعيد” في قصائد برمائية.
تصادفنا في مرة حلوة وتسامرنا وشاركتنا ضفاف النهر.. وعشب القيفة في بحري قبالة بيت المال وأبوروف.. وكان لماحاً.. ذات جلسة هناك كان رجل يجلس منفرداً يجئ هناك بطريقة راتبة يتأمل النهر، فأجزم لنا بأن هذا الرجل ليس رجلاً عادياً، ولما اقتحمناه تمخض عن الشاعر الجميل “عوض حسن أحمد” شاعر (صغيرتي) واحتفلنا بالاكتشاف وأصبح صديقاً عليه رحمة الله.. قد تجد كاتباً يقدم لك المعلومات بلا لغة مفوفة.. أو يقدم لك لغة جوفاء تبدو كالهمهمة أو يضجرك بالادعاء.. فهو ليس من كتاب الصدفة ولا من إعلاميي الغفلة تنقل في (الميديا) كافة.. الإذاعة التلفزيون الصحافة.. في كل الضروب.. الأخبار.. السياسة.. التحليل.. التحقيق.. البرامج الثقافية والأدبية ومارس أدواراً نقابية.. فكون ذلك شخصاً متعدد المواهب.. في ملامح حياته تجد من “العميري” ومن “عمر الدوش” ومن “درويش”، فأصبح ذلك (الكوكتيل) الدسم المسمى “محمد محمد خير”.. ترى هل قصمت ظهرك بالمديح بلا مناسبة.. لا أعتقد! فظهرك مسنود بمحبة لفيف من الناس.