تلفحنا بثيابنا.. وانتعلنا (سفنجاتنا) العزيزة.. وتزودنا بـ(كوز) كبير من الماء البارد ألقيناه في جوفنا على عجل.. وامتطينا صهوة الدابة (جياد) المسكينة التي نملكها.. وبدأنا _ أنا ووالدتي العزيزة حفظها الله – رحلة البحث عن (أنبوبة) معبأة بالغاز تعيننا في طهو الطعام.. وصنع أكواب الشاي والحليب.. وتسخين المياه لغرض (حموم) الأطفال في هذا الشتاء المتواتر.. وإشعال أعواد (الطلح) لطرد البعوض المقيم معنا داخل المنزل..!
كان هذا هو اليوم الثالث لرحلتنا تلك.. لم نترك دكانا أو توكيلا لبيع الغاز إلا وطرقناه.. جبنا حينا والأحياء المجاورة فلم نسمع سوي إجابة واحده – مالم نجد المحل مغلق تماما – (مافي والله)!
في هذا اليوم.. قررنا أن نيمم وجهنا صوب مستودعات الغاز بالشجرة.. حيث يفترض أنها المصدر الرئيس لتلك الأنابيب الضرورية!.. وجدنا عشرات السيارات والأشخاص متجمهرين أمام البوابة.. غير مسموح لهم بالدخول.. فالحاجزان البشري والمروري يحولان بينهم وبينها.. وهرج ومرج ومعلومات غير دقيقة وإجابات غير واضحة ووعود مبشرة.. وأخبار منفرة.. ولغط وجدال.. وحنق يغلي في الصدور.. وبرود قاتل من رجال أمن المستودع سرعان ما يتحول لزجر وإهانة وتعامل فظ.. كل هذا والنتيجة الأكيدة والوحيدة دائما.. (هذا الغاز غير متوفر حاليا).. وعلى المتضرر المضطر مواصلة البحث في مستودعات (الجيلي)!!
عدنا حاسرين.. نجرجر أذيالنا.. و(ندردق) أنبوباتنا.. وعرجنا في طريقنا على (زريبة) الفحم التراثية البارزة طلبا لـ(فحمات) يقمن أود حاجتنا الماسة للوقود.. فعلمنا أن حفنة الفحم قد بلغ سعرها عشرة جنيهات.. وأنها لا تطهو ولا تغني عن غاز!!.. فماذا نفعل؟
من الذي يفتعل أزمة الغاز هذه بشكل راتب إذا كانت التصريحات الحكومية المعنية تؤكد وفرته؟
ومن الذي يرفع سعر الفحم وفق مزاجه الخاص ودون مرجعية واضحة أو أسباب موضوعية؟
وما هو الحل المقترح لنضع نهاية محددة لمعاناتنا هذه؟.. وكيف يمكن أن نعود لممارسة طقوس أجدادنا القدماء دون أن نتهم بتجريف التربة وانتهاك الغابات والقطع الجائر للأشجار؟
ثم هل ننتمي فعليا لهذا الزمن ونحن لا نزال نتمرغ في وحل الأزمات الطاحنة التي تطال ضروريات الحياة الملحة؟!!!.. العالم حولنا يحتفل بمرور عشرات السنوات علي انقطاع التيار الكهربائي لآخر مرة!!.. ونحن نجأر بالشكوى من القطوعات المبرمجة والعشوائية!!!.. والعالم من حولنا يستخدم المياه المعالجة بالنيتروجين ونحن نشتري المياه المعبأة في براميل تجرها الدواب في قلب العاصمة!!.. والعالم من حولنا يقيم مشاريع كبرى لتدوير النفايات وإعادة تصنيعها ونحن نتحول يوما بعد يوم لمكب (كوني) من النفايات وقد نسينا تماما آلية جمعها وشكل ناقلاتها!!
ثم ها هو الغاز.. يمد لنا لسانه بين الحين والآخر.. يلهو بنا.. ويسخر منا.. وينظر لجيوبنا بتهكم واستفزاز.. فهل يعقل أن يبلغ سعر أنبوبة الغاز – إن وجدت – 90 جنيها؟!!!
ما هي حقيقة الأزمة؟.. وحتى متى ستستمر؟.. وما هو الحل العاجل؟.. وما هي البدائل المقترحة؟.. ومن المسؤول عن كل ذلك؟.. ثم لماذا لم نعد نحمل في قلوبنا رحمة ولا يحركنا نحو بعضنا تراحم؟.. لماذا تتركوننا نتحول لأنابيب بشرية قابلة للانفجار.. إن لم تنفجر بالاحتكاك الخارجى.. انفجرت بالاحتباس الداخلي؟!!!! حسبنا الله ونعم الوكيل.
تلويح:
هل أجد بينكم من يدلني على موقد يعمل بالطاقة الشمسية لحل الأزمة والاستفادة من تلك الطاقة المهدرة في بلادي دون توظيف أو تقدير؟!