السرطان في السودان: حالة اصابة لإمرأة سودانية يرجع تاريخها إلى 4000 عام

نتيجة تنامي حركة الحقوق، أصبحت كل القضايا تناقش في حقلها الإجتماعي بإعتبارها هم إجتماعي، والسرطان مثلما هو مرض يستهدف كل المجتمع فمن الواجب أن يشغل كل المجتمع في المطالبة والتصدي لمحاربته، فالعمل في مجال الصحة يتطلب الإهتمام بالسياسة والتوعية والتثقيف ولعل هذا ما إنتبهت له الجمعيات الطوعية السودانية والتي تلعب دوراً مهماً في مجال التوعية بالسرطان وسرطان الثدي على وجه الخصوص إذ وجدت نفسها مضطرة للقيام بأدوار أخرى في إطار تعقب المرض في بنيات أخرى مثل الوعي والسياسة.

ازدياد الوعي

أرجعت الدكتورة سعاد إبراهيم عيسى رئيس جمعية المبادرات النسائية السودانية إزدياد نسبة السرطان إلى زيادة الوعي به، فالسرطان ليس بجديد في السودان فقد إكتشف معهد الأمراض المستوطنة بجامعة الخرطوم مومياء أثرية لإمرأة مصابة بالسرطان يرجع تاريخها إلى 2000 عام قبل الميلاد، لكن الجديد هو الوعي بالسرطان، لكن جهات أُخر ترى أن نسبة السرطان في إزدياد خاصة سرطان الثدي وعنق الرحم، فالأورام الخبيثة عموماً تمثل 20% من مجموع الأورام في السودان وتمثل نسبة سرطان الثدي 35% منها كما يمثل سرطان عنق الرحم 14% منها، وقد إتضح أن 85% من المصابات يذهبن إلى المستشفى بعد إكتشاف المرض، وأن 90% من الوفيات كانت بسبب عدم الكشف المبكر، مما يدخل التوعية الصحية في قلب عملية مكافحة السرطان، لذا قررت المجموعة المبادرات النسائية أن تبدأ برنامج الإكتشاف المبكر لسرطان الثدي وعنق الرحم، وهي نفس المهمة التي يضطلع بها بعض الأطباء إختصاصي المرض المتعاونين مع المجموعة، وللمجموعة 4 مراكز للإكتشاف المبكر للمرض بولاية الخرطوم و3 عيادات متحركة تعمل إحداها بالخرطوم وأخرى بنهر النيل وخصصت الثالثة للولاية الشمالية، بجانب توفير الأجهزة الطبية مثل جهاز الموموقرام والكولبوكسو الخاص بإكتشاف سرطان عنق الرحم.

والبرنامج يعنى بتدريب الأطباء والكوادر المساعدة في مجال إكتشاف سرطان الثدي وعنق الرحم، كما يعمل على تدريب القابلات والزائرات الصحيات على كيفية إكتشاف سرطان الثدي في بداياته وتسعى هذه الحلقات التدريبية لتشمل الكوادر أعلاه ومن مختلف ولايات السودان وكل الخدمات المشار إليها تقدم مجاناً ما عداء الكشف بالأجهزة الطبية المحددة التي إقتصرت تكاليفها بما يغطي مطلوبات التشغيل ومجانًا لمن يعجز.

وفي إطار إجتماعية الصحة أقامت المجموعة مشروع دار الرعاية المتكاملة للمرأة بتكلفة إجمالية تصل إلى مليون وخمسمائة ستة وثلاثون ألف وستمائة خمسة وسبعون دولاراً بدعم من جهات خيرية وتشتمل على مركز صحي لإكتشاف أمراض الثدي وعنق الرحم وسكن خاص بالنساء وصالة رياضية وقاعة إجتماعات كبرى، والمشروع في مرحلة التشييد وقد تكفلت مجموعة نيوتك بتصميم المبنى ومن بعد عملية الإشراف الكامل على مختلف خطوات التشييد في إطار المسئولية الإجتماعية لرأس المال والإهتمام بالإنسان كمورد مهم في عملية الإستثمار نفسها.

الوعي القانوني

لكن التوعية بأخطار المرض والإكتشاف المبكر له وحدها لا تكفي، إذ لابد من التوعية القانونية في مجال الحقوق الصحية للمرأة كما وردت في المواثيق الدولية والقوانين الوطنية وضرورة خلق إهتمام بها لدى الجهات المعنية بالأمر عبر الطرق المتواصل لتلك الحقوق، فقد جاء في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 كأول وثيقة نصت على حق الناس في الصحة وتقول المادة 25 من الميثاق إن لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كافٍ للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذئية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الإجتماعية اللازمة وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته ويضيف البند الثاني من نفس المادة 25 أن للأمومة والطفولة الحق في الرعاية ومساعدة خاصتين. وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الإجتماعية سواء إن كانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أو غير شرعي.

وفي العام 2000 م تعهد قادة العالم المشاركين في قمة الأمم المتحدة للألفية الثالثة ببذل كل جهد ممكن لتحقيق الأهداف الإنمائية الثمانية الواردة في إعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية حتى حلول عام 2015 والهدف الرابع هو خفض وفيات الأطفال (تعتبر معدلات وفيات الرضع والأطفال دون الخامسة من أهم مؤشرات الوضع الصحي، فهي تجسد مدى كفاة النظام الصحي في تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية للأم خلال فترة الحمل والولادة، وكذلك لحديثي الولادة والأطفال في مراحل نموهم الأولى، وأيضاً مدى التقدم في مجال الطب الوقائي، ويتمثل الهدف الخامس في خفض وفيات الأمهات والهدف السادس في مكافحة مرض نقص المناعة الأيدز والملاريا وغيرهما. وفي الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي إعتمد من قبل القمة العربية في تونس مايو 2004 وفي المادة 139 تقر الدول الأطراف بحق كل فرد في المجتمع بالتمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه وفي حصول المواطن مجاناً على خدمات الرعاية الصحية الأساسية وعلى مرافق علاج الأمراض من دون أي نوع من أنواع التمييز.. وفي بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا الذي إعتمدته الجمعية العامة لرؤساء دول الإتحاد الأفريقي في موزمبيق يوليو 2003 تم التأكيد على القضاء على الممارسات الضارة التي تؤثر على إنسانية المرأة وتطالب المادة 5 (أ) من البروتوكول المشار إليه بخلق وعي عام لدى جميع فئات المجتمع بشأن الممارسات الضارة من خلال الإعلام والتعليم الرسمي وغير الرسمي وبرامج التوعية، كما أن المادة 5 (ب) تطالب بأن تحظر وتعاقب على جميع أشكال تشويه الأعضاء التناسلية للإناث وتجريحها ومداواتها بالطرق الطبية وشبه الطبية وجميع الممارسات الأخرى وذلك بغرض القضاء على تلك الممارسات، في حين تتحدث المادة 5 (ج) بتوفير الدعم اللازم لضحايا الممارسات الضارة من خلال إتاحة خدمات أساسية مثل الرعاية الصحية والدعم القانوني والقضائي والمشورة العاطفية والنفسية والتدريب المهني، حتى يصبحن قادرات على إعالة أنفسهن. وفي إعلان بكين زائد 10 للتضامن من أجل المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام المادة 17 تم التأكيد على ضمان تمتع المرأة بالصحة خلال دورة حياتها وتقديم خدمات رخيصة ومتميزة للرعاية الصحية وتعزيز الصحة الإنجابية للمرأة بالتوافق مع برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية والقضاء على كافة الممارسات التي تضر بصحة النساء. كما إهتمت مؤتمرات قمة الأرض بالأرحنتين عام 1992ومؤتمر السكان بالقاهرة 1994ومؤتمر القمة العالمي للتنمية الإجتماعية بكوبنهاجن بإحتياجات سكان العالم للرعاية الصحية الأولية والإصحاح البيئي كجزء من التنمية المستدامة وتوفير الرعاية الصحية الإنجابية للمرأة. ووفقاً لإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي لم توقع عليها حكومة السودان تلزم المادة 12 الدول الأطراف بأن تتخذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان الرعاية الصحية من أجل أن تضمن لها على أساس المساواة بين الرجل والمرأة الحصول على خدمات الرعاية الصحية بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة.

كما إهتمت التشريعات الوطنية بالحقوق الصحية للمرأة، ففي دستور السودان الإنتقالي لعام 2005 الباب الأول من الفصل الثاني المادة 19 على الدولة أن تطور الصحة العامة وتضمن الرعاية الصحية الأولية بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة، وفي الرعاية الصحية العامة الباب الثاني من نفس الدستور وثيقة الحقوق المادة 46 على الدولة أن تضطلع بتطوير الصحة العامة وإنشاء وتطوير وتأهيل المؤسسات العلاجية والتشخيصية الأساسية وعليها توفير الرعاية الصحية الأولية وخدمات الطوارئ مجاناً لكل المواطنين. وفي الباب الثاني من وثيقة الحقوق المادة 2ــ32 على الدولة أن تعزز حقوق المرأة من خلال التمييز الإيجابي، وفي المادة 4ـ32 على الدولة توفير الرعاية الصحية للأمومة والطفولة والحوامل.

وإنطلاقاً من وضع غير مرضي تعيشه معظم نساء السودان وإستناداً إلى المواثيق والبروتوكولات الدولية والتشريعات الوطنية وإستناداً لدور المرأة في المجتمع فمن الواجب علينا القيام بالتكافل الإجتماعي لأنه يدفع بتعزيز صحة الأفراد والمجتمع وأن نعمل على نشر الوعي بحقوق المرأة في الصحة وأن نشارك في ترقية الرعاية الصحية وتغيير السلوك الصحي غير المرغوب وتمكين المرأة من الناحية الصحية وتغيير السياسات من أجل حماية وتحقيق حقوق المرأة في الصحة، وأن تتصدى النساء لحماية مكتسباتهن الصحية بالإستفادة من الخدمات الصحية الموجودة وتوفير بيئة صالحة للسكن ومياه الشرب النقية.

وهكذا يتضح أن الإمكانيات لمكافحة السرطان عموماً وسرطان الثدي وعنق الرحم كبيرة وربما تكون في مستوى التحدي الذي يواجهه شعب السودان والمرأة السودانية على وجه الخصوص، لكن تلك الأمكانيات غير مفعلة، وتلك مهمة تنتظر الجميع لأن عالماً تتم صياغته من أجل النساء سيكون أفضل بل شك من صياغته من أجل الرجال.

قرشي عوض
السياسي

Exit mobile version