موجة من الغضب العارم اشتعلت في دواخل كل سوداني حر أبي نتيجة أنباء تواترت عن المعاملة السيئة والاعتقال الغير مبرر والتنكيل والاهانة والتعذيب الذي تقوم به سلطات الأمن المصرية تجاه بني جلدتنا الذين حلوا على مصر ضيوفاً، سياحاً أو تجاراً أو مستشفين…
دفعت هذه الأحداث بأغلب السودانيين للتفكير ملياً في مدى جدوى ذلك التاريخ الانشائي الطويل على شاكلة مصر يا شقيقة بلادي، و وحدة وادي النيل، واتفاقيات الحريات الأربعة ….الخ والتي قدم الشعب السوداني في سبيلها العديد من التضحيات، لعل أبرزها تهجيره لبنيه والتضحية بأرضه وتاريخه وحضارته واغراقها تحت بحيرة ناصر لتنعم مصر بماء الشرب والزراعة والصناعة والكهرباء بتشييد السد العالي.. كما حارب السودانيون جنباً إلى جنب مع اخوتهم المصريين دفاعاً عن مصر التي ظلوا دوماً يعتبرونها وطنهم الثاني ولازالوا.. وبذلنا غير ذلك الكثير الذي لا نحب ذكره فنحن قومٌ ذوو خلق لا نعطي ونمن..
ظللنا نحلم كسودانيين بواقعٍ أفضل يدفع العلاقات بين الشعبين لما يقويها ويخدم مصالح الطرفين، لكننا في المقابل نرى تلك الشعارات تترجم في كثير من الاحوال إلى احتيال واستهبال وفهلوة على مستوى الشارع (دون تعميم)، واستعلاء وازدراء وسخرية وقلة أدب على مستوى الإعلام، واحتلال للأراضي السودانية (حلايب وشلاتين) على مستوى السلطة في استغلال فج لضعف حكامنا وفسادهم واجرامهم وجبنهم، دون مراعاة لحرمة أرضنا كشعب جار.. باقٍ وحكامه إلى زوال…!
اهانة السودانيين في مصر أغضبت كل السودانيين ودفعت بعضهم الى حافة الجنون واللا معقول، فصاروا يتنادون الى حملة انتقام ولاعتداء على المصريين المقيمين في السودان، وهو لعمري أمرٌ معيب للغاية، لا يشبهنا أبداً كسودانيين ولا يمت لأخلاقنا بصلة.. ما هو ذنب مواطن مصري بسيط جاء يترزق في بلادنا؟؟! أنحمله جريرة ما فعلت حكومته؟؟؟!!! هذا الكلام عيب في حقنا، ولا يخدم قضيتنا، بل إنه قد يعقدها ويحرفها عن أهدافها، كما لا تنسوا أنه يعرض حياة قرابة المليون سوداني مقيمين في مصر للخطر هم وأسرهم وأطفالهم..
هذا الغضب يمكن توظيفه بطريقة حضارية تخدم قضيتنا، مثلاً وقفات احتجاجية سلمية أمام السفارة المصرية و وزارة الخارجية السودانية تتم تغطيتها إعلامياً بشكل جيد، و ترفع مطالب محددة، وقف الحملات الهمجية ضد السودانيين في مصر واطلاق سراح المعتقلين والاعتذار عن هذا السلوك، المطالبة بالتحقيق في مقتل عشرات السودانيين في سيناء على يد الأمن المصري..
مطالبة الجانب المصري بالانسحاب من حلايب وشلاتين وكافة الاراضي السودانية التي احتلاها عقب محاولة اغتيال الرئيس الاسبق حسني مبارك في العام 1994م كرد فعل على تورط نظام البشير في التخطيط لها. مطالبة الحكومة المصرية بتنفيذ بنود اتفاقية السد العالي ومد شمال السودان بالكهرباء.. الغاء تأشيرة الدخول التي تفرضها مصر على السودانيين اسوةً بالسودان الدي الغاها منذ زمن بعيد على المصريين تماشياً مع اتفاقية الحريات الاربعة، أو الغاء هذه الاتفاقية تماماً ان لم يكن الطرف المصري يرغب في الالتزام بها..
من المهم أيضاً الضغط على خيالات المآتة القابعة في الخارجية السودانية وحضهم على التحرك الجاد والفعال لحماية السودانيين وصون كرامتهم وكرامة البلاد.. حثهم على القيام باجراءات معاملة بالمثل في بعض المسائل كتأشيرة الدخول والكشف الطبي في المطار على كل المصريين القادمين للسودان..
يمكننا التلويح (بعقوبات شعبية) كإيجاد سوق سياحة واستشفاء بديلاً عن مصر، تونس مثلاً، و يمكننا تنفيذ حملات مقاطعة اقتصادية.. المهم، سيداتي وسادتي، يمكننا أن نعبر عن قضيتنا بالعديد من الوسائل الاحتجاجية المتحضرة التي تشبهنا كسودانيين وتشبه أخلاقنا وقيمنا وتحضرنا وتعقلنا.. مش تقول لي تلقى مصري قدامك طواااالي دقو…!!! ياخي معقولة بس؟؟؟!!!
• ملحوظة أخيرة: لا يوجد في الدنيا شعبٌ صالح ولا شعبٌ طالح.. كل شعب فيه صالحون وفيه طالحون.. حتى نحن السودانيون، لسنا ملائكة فمن بيننا المجرم واللص والمحتال، ومن بيننا الشريف الأمين.. فدعوا عنكم تلك العبارات العنصرية البغيضة.. فانها منتنة..
بقلم
محمد شريف