«الأدباء يغفرون لزملائهم كل شيء عدا النجاح».. مارسيل رايش يانكي!
الاختلاط العرقي في السودان أوجد مناخاً ثقافياً وإبداعياً له هويته وتميزه الخاص، لكن تلك الخصوصية في جغرافية السودان الثقافية والعرقية أدت بدورها إلى خلق تلك الفجوة أو بناء ذلك الجدار الذي ظل يفصل بين المبدع السوداني والمتلقي العربي و الأفريقي..
الوضع هنا شبيه بأغنية سودانية لا يطرب العرب كثيراً للحنها لأنها تنتمي إلى سلم موسيقى آخر غير الذي تعودوا عليه، بينما لا يستطيع الأفارقة ترديدها لأن كلماتها بالعربية!
ربما لذلك ظل المبدع السوداني محروماً من نعمة الانتشار عربياً وأفريقياً، وبقي بعض من لا تنطبق عليهم هذه القاعدة مجرد استثناء آخر لتأكيدها.. ولعل الطيب صالح هو أشهر تلك الاستثناءات باعتباره الروائي السوداني الوحيد الذي وصل إلى العالمية، غير أن بعض المبدعين السودانيين يرون «مع كامل احتفائهم بعبقرية الطيب صالح التي ليست محل جدال» أن تمجيد معظم العرب لأعماله هو في أغلب الأحوال انعكاس لانتشارها عالمياً واحتفاء الآخر المغاير بها، الأمر الذي يفسر كونه الروائي السوداني الوحيد – تقريباً – الذي يعرفه العرب جيداً ..!
الروائي عبد العزيز بركة ساكن قال مرة إن الكثير من الأدباء السودانيين لم يدخلوا معطف الطيب صالح في الأصل، حتى يخرجوا منه، وحتى الناقد الكبير عيسى الحلو الذي أطلق مقولة «الطيب صالح سقف الرواية السودانية)»لم يكن الطيب صالح يوماً ـــ والكلام ما يزال لساكن ــــــ سقفاً له!
أسباب غياب الرواية السودانية عن المشهد العربي كثيرة، أولها تقصير الإعلام وقصور جهود النشر والتوزيع، فضلاً عن إصرار المتلقي السوداني على أيقنة الرموز، والتواضع السلبي للمبدع السوداني، وكون المقارنة مع الرواد خطاً أحمر ..!
خلاصة القول أن هذا السودان فيه مبدعون آخرون يتمنون أن يقولوا للعالم شيئاً ويمكن أن يشكل انتشارهم إضافة نوعية للرواية العربية، لكن القارئ العربي لا يعرفهم وليس لديه استعداد كافي ليفعل، وهم قابعون في غياهب التجاهل لأن الحظ لم يحالفهم فتترجم أعمالهم إلى اللغة الإنجليزية كي يتلقفها القارئ العربي باهتمام بعد أن يردها مثقفو الغرب إليه رداً جميلاً ..!
لأجل ذلك ربما كان ذلك التمجيد والاحتفاء العربي بعبقرية الطيب صالح نعمة ونقمة ـــــ في آن معاً! ــــــ في تقدير المبدع السوداني الذي يتمنى أن يقول للعالم شيئاً يذكر، لكنه مُكبَّل باحتكار الطيب صالح لفكرة الإبداع الروائي السوداني في ذهن القارئ العربي ..!