بات الموّال معروفاً: جميع ما نأكله ضار بالصحة، بعد أن أصيبت الحيوانات بمختلف الأمراض، بدرجة أن هناك من أثار شكوكا حول القوى العقلية للأبقار، واتهمها بالجنون، وكأنما الأبقار كانت تتمتع بالحكمة ورجاحة العقل من قبل، وصارت الأسماك مصابة بالإمساك ومسببة له، ولحم الدجاج يدمّر الصحة لأن معظم المباع منه مغشوش. كيف يا جماعة؟ قالوا إن بعض مزارع الدجاج تحقنه بالكورتيزون والمضادات الحيوية كي ينتفخ ويصبح أكبر وأثقل من حجمه ووزنه لو تركوه على المغذيات المعتادة للدواجن.
ثم قالوا ان الشحوم والدهون ضارة بالصحة، لنبتعد عن الألبان والزبدة والأجبان، وأن النشويات والسكريات تجلب الأمراض المزمنة، وأن الإكثار من سمك التونا يرفع نسبة الزئبق في الجسم مما يسبب التسمم.. طيب والساردين/ السالمون؟ لا حبيبي هادا يسوي «قاوت».. انت في مالوم قاوت؟ إي نقرس، واجد مشكلة بادين أنت ما نوم وما في يمشي (إلهي تمشي بطنك.. وهذا دعاء سوداني بليغ على الإنسان بأن يصاب بالاسهال).
ثم قرأت مؤخراً ملخص تقرير لمجلس البحوث الطبية البريطاني جاء فيه أن أكل اللحوم الحمراء يزيد احتمالات الإصابة بسرطان القولون بنسبة عالية، واللحوم الحمراء هي يا عزيزي لحم الضأن والبقر والغزال إلخ، وكنت من الذين يتجنبون الشحوم ويحرصون على تخليص اللحوم الحمراء من أي أثر للدهون عند شرائها، فإذا اشتريت ثلاثة كيلوجرامات من اللحم كان وزن ما أحمله منها إلى البيت نحو كيلوجرامين.
لو قلنا بلاش لحوم حمراء فماذا أفعل؟ فاللحوم البيضاء (الطيور والأسماك) تسبب أمراضاً قاتلة.. تقترب من الطيور فتعطس مرتين ومع العطسة الثالثة (تطلع روحك)! والأسماك تعاني تلوث البحار، وأكلها يسبب التسمم البطي! يقول ذلك التقرير السخيف ان أكل اللحوم الحمراء يؤدي إلى ظهور مواد تسمى – إن نايتروسوكومباوندس – N-nitrosocompounds – لاحظ ان الاسم نفسه يسبب التهاب البلعوم والحنجرة والجيوب الأنفية.
وعلى ذمة مجلس البحوث الطبية البريطانية الامبريالية فإن هذه المواد تتكون في المصران الكبير، وتؤدي إلى إتلاف الحمض النووي DNA، وتعرض الحمض النووي للتلف أمر وارد على مدار اليوم، بسبب التفاعلات الكيميائية التي يشهدها الجسم، والتي تنتج عنها مواد أخرى ضارة بالصحة، كما أنها تتلف أثناء الاستنساخ copying لأن الاستنساخ قد تترتب عليه «أخطاء»، فتتولى جزئيات أخرى في الجسم إصلاح ذلك التلف.. ويقولون ان سرطان القولون قد ينجم عن تحالف محور الشر المتألف من الحمض النووي و (إن – نايتروسوكومباوندس).
قلت لنفسي الأمارة بالتحدي: ولا يهمك يا أيو الجعافر، ولا تحرم نفسك من اللحوم الحمراء وعليك فقط أن تُكثر من الخضراوات والفواكه، ولكن فقرة في ذلك التقرير قالت ان الألياف التي في الخضراوات قد تقلل احتمالات الإصابة بسرطان القولون ولكنها تبقى عديمة الجدوى إذا كنت تأكل نحو ثلاث قطع من اللحم الأحمر يومياً!
إزاء كل ذلك قررت ما يلي: سأتعاطى اللحم الأحمر والأخضر والبنفسجي والأوف وايت و(اللي بدو يصير، يصير).. لن أعيش حياتي بالكتالوج: هذا الخبز فيه 3000 سعرة حرارية، وهذا اللحم مشبع بالدهون وتلك الفاكهة ترفع نسبة النيكوتين في الجسم والطماطم فيها نسبة عالية من ثاني أوكسيد الكربون، والفاصوليا تسبب نواقض الوضوء.
ويا جماعة البحوث الطبية اعثروا لنا على دواء لنزلات البرد العادية قبل أن تصيبونا بالجنون بالتحذير المتكرر من مضار ما ظللنا نحن بني البشر نأكله ونشربه على مدى عشرات الآلاف من السنين.
وسكوتنا عن هرطقات الأوروبيين والأمريكيين العلمية هو الذي جعلهم ينسبون مرض الكرونا إلى الإبل العربية، بعد ان اكتشفوا أنها الحيوانات الأليفة الوحيدة التي ظلت بعيدة عن الشبهات خلال السنوات الأخيرة.
jafabbas19@gmail.com