المتأمل في العديد من المناصب المهمة والحساسة والمؤثرة في شتي بقاع الأرض.. يشعر بالفخار والسعادة القصوى حين يكتشف أن معظم شاغريها من السودانيين العباقرة!.. أولئك البارعون في الحسابات والعلوم والطب والمنطق وحتى الأدب وعلم الاجتماع.
إنهم الأجيال المخضرمة.. التي تمتعت بكل المزايا اللازمة ليصبحوا نابهين ومميزين.. لاسيما مع تمام استعدادهم لذلك النبوغ الذي يهيئون له المراقد والحشايا من مثابرة واجتهاد وأخلاق حميدة وتقوى وتثقيف للذات وسعي حثيث للحاق بركب العالم المتقدم.. ثم تحولوا بعد ذلك لأسباب منطقية جدا لأسراب من الطيور المهاجرة التي لا تفكر في العودة.. أو لثلة من زمار الحي لا يطربون حيهم كوننا لا نعرف حقيقة قدرهم ولا نحتفي بهم كما يجب ولا نفكر جديا في الاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم وعلاقاتهم !!
الآن.. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفرخ الجامعات السودانية أمثال أولئك النوابغ!!.. فكل المؤشرات تمضي بعيدا عن ذلك.. بدءا بطبيعة الدروس وشكل التدريس والتعريب وإمكانيات الجامعات الذاتيه.. مرورا بشخصية المعيد ودوافعه وأسلوبه.. وانتهاء بنفسية الطالب ورغبته واستعداده وأهدافه من الدراسة الجامعية التي لم تعد في كثير من الأحيان تعدو كونها (برستيج) اجتماعيا.. أو تحصيل حاصل.. أو مكانا لتمضية الوقت وإهداره في أمور أبعد ما تكون عما أنشئت له!!
تراجعت مكانة الجامعات السودانية عالميا.. وما عادت جامعة الخرطوم على سبيل المثال من الجامعات الرائدة التي يغني انتماء الطالب لها عن الكثير.. ولا عاد السوداني مطلوبا على رأس قائمة الوظائف الخارجية كونه ما عاد يتمتع بالعلم الوفير أو الذكاء الكافي، وتراجعت حتى معدلات أخلاقه وأمانته واحترامه للوقت وللغير!!
داخليا.. حدث ولا حرج.. الجهل والفوضى يسيطران على الموقف.. ويندر جدا أن تجد الرجل المناسب في المكان المناسب.. كل شيء يمضي دون منهجية أو أولويات.. المناصب يتقلدها الجاهلون ببواطن أمورها والعاجزون عن تصريف شؤونها.. فيظل أحدهم في تخبط مستمر من حيث القرارات والإنجازات.. حتى إذا ما اكتنز كرشه.. مضوا به إلى مأكلة جديدة !!!
والمؤسف ألا أحد يعترف بجهله فيتقي الله في عباده ويعتذر عن الوظيفه المعروضة عليه!!
كلهم يدعون تمام المعرفة.. والدراية.. وحسن الإدارة! وكلهم يداهنوننا بدعاوى الإنجازات القادمه وقبضة الحديد التي سيحكمونها حول المؤسسة المعنية لتحقيق خير البلاد والعباد!!!
يعشموننا بالأمل الأخضر.. والمشاريع العظيمة التي ستحلق بنا في سماوات الرخاء والرفاهية والحياة الكريمة.. ثم يكتفون بالتصريحات والاحتفالات ودعوات الغداء الفاخرة!
لقد انحدر بنا الحال حتى أصبح الجهل يسيطر على معظم عقولنا.. أما عقول أبنائنا.. فحدث ولا حرج عن خوائها رغم اكتظاظها بتطبيقات الإنترنت وكيفية التعاطي مع العولمة.. غير أنهم يوظفونها في (الفارغه) ليس إلا!!!
فهل يحق لنا بعد كل هذا أن نحلم بعالم سعيد؟!!.. هل يمكن للسودان أن يعتلي منصات التتويج والتكريم في مجالات العلوم والابتكارات والإختراعات؟! هل يتسنى لنا يوما أن نتقدم لاجتياز معاينات كبرى لوظائف مهمة كان من بين شروطها للمتقدمين أن يكون أحدهم.. إنسانا.. ومن (جامعة في السودان)؟؟!!!
تلويح:
هل يمكننا أن نستفيد من الكوادر المؤهلة التي تخدم أحلام الآخرين في شتى أصقاع الأرض.. دون أن تكون عودتهم للديار سببا في ندمهم واستيائهم وفرصة لبثهم أحقادنا والنيل من تميزهم؟!!!