باريس تثأر لضحاياها وتشن غارات عنيفة على الرقة… فماذا بعد؟

أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية الأحد 15 نوفمبر/تشرين الثاني أن طائراتها الحربية أغارت على مواقع تنظيم “داعش” في الرقة السورية، “عاصمة” التنظيم غير المعلنة في المنطقة.

وذكرت أن 10 طائرات حربية فرنسية أقلعت من الإمارات والأردن وألقت 20 قنبلة على مواقع “الدولة الاسلامية” في الرقة، وذلك بعد يومين على تبني التنظيم هجمات باريس التي أزهقت أرواح أكثر من 130 شخصا ناهيك عن الإصابات والجرحى.

وكشفت عن أن طائراتها نفذت الضربة مساء الأحد بالتنسيق مع واشنطن، واستهدفت مركز قيادة وتجنيد تابع للتنظيم ودمرت له مخزنا للأسلحة ومعسكرا تدريبيا.

الملفت في هذه الغارة أنها لم تتحول إلى مادة دسمة تتداولها جيوش عرمرم من “المحللين والخبراء العسكريين والسياسيين المختصين” للتأكيد عبر شاشات الإعلام الغربي والصديق أنها تسببت بنزوح الملايين وتدمير البنى التحتية للشعب السوري في الرقة وشردت الأطفال والنساء والشيوخ وأفنت الآثار والتاريخ.

اعتدنا من هؤلاء “المحللين والخبراء والمنابر الإعلامية” الذين يتحدثون منذ بداية العملية الجوية الروسية في سوريا عن أن الطيارين الروس “يشنون غارات “غير فعالة” تستهدف كل دابة في الأرض، ومسلحي “المعارضة المعتدلة” حصرا، دون أن تلحق بـ”داعش” أي ضرر يذكر. فهل غارات هولاند دمرت “داعش” دون أن تخطئ في الرقة، وهل ميزت “خلافا” للطائرات الروسية بين المسلحين، واستهدفت “الأشرار” منهم وآزرت “الأخيار” وترأفت بالمدنيين؟

نعم سيقولون، لدى فرنسا قنابل “ذكية” مقارنة بأخرى “غبية” تلقيها روسيا على رؤوس “المسلحين المعتدلين”، فيما لا يزال الدخان يتصاعد من مبنى مستشفى قندوز الأفغاني وأشلاء أطبائه ومرضاه لم تجمع بالكامل بعد، إذ استهدفته قنبلة أمريكية “عبقرية” أخطأت في مبتغاها ولا ضير في ذلك، فالاعتذار الكلامي حاضر، إذ أن الغارة كانت تستهدف مسلحين “أشرارا”.

ومنه، فمن الإعلان الفرنسي يتضح أن هولاند عاجز في قراره، وحتى حينما يتعلق الأمر بالثأر لبلاده والانتقام لمواطنيه، إذ لم يجرؤ على شن غاراته الجوية إلا بعد استشارة واشنطن ومباركتها. من جهتها، وقبل أن تجف دموع الفرنسيين كشفت واشنطن بعد يومين على فاجعة باريس عن تسليم دفعة جديدة من الذخيرة “لمسلحين معتدلين” في إطار “التحالف العربي السوري” الذي يعكف على محاربة “داعش” في سوريا، وذلك بعد أن أعلنت مؤخرا على الملأ فشل خطتها لتدريب “المعارضة السورية المعتدلة” التي التحق مسلحوها بتنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” الإرهابيين آخذين معهم عتادهم و”خبراتهم” التي اكتسبوها على أيدي مستشارين أمريكيين بكلفة 500 مليون دولار.

فكيف لهولاند بعد ما حل ببلاده نتيجة “لجهود” حليفته واشنطن في تسليح من هب ودب أن يدافع عن مواطنيه ويرسل الطائرات في خطوة تشبه ضربة الخائف المتردد رغم بهرجها وتوثيقها بالفيديو، أم أن حليفته ستستمر في رفد المسلحين بالذخيرة والعتاد وتتابع نهج “القتل والسير في الجنازة”، فيما هو يرسل طائراته لاستهدافهم وحماية فرنسا من شرهم قبل أن يصلوها لاجئين مدربين ومؤهلين، وكيف سيفسر لشعبه سر هذا التحالف؟

هذه “التحالفات” سيقول الفرنسيون، خلصت إلى ما حذرت منه المعارضة الفرنسية وعلى رأسها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي أكد مرارا على ضرورة قلع قبعة الكاوبوي التي لا تليق بالمظهر الفرنسي والعودة إلى أرض الواقع والتعاون مع روسيا التي تدعو إلى حشد تحالف دولي بقرار أممي لمكافحة الإرهاب، والفصل ما بين محاربته وتصفية الحسابات السياسية، وتسوية الأزمات والنزاعات استنادا إلى الشرعية الدولية وترك تقرير مصائر الدول لشعوبها.

وهل سيتعظ هولاند، ويدرك أن يد الإرهاب خفية ولا تعرف صاحب، فالإرهابيون، وبعد خيبة أملهم الكبيرة بمن دعموهم ومولوهم، أدركوا أنهم ليسوا أشر الخلق، بل هناك من هو أدهى منهم، ومن جعلهم وقيدا لنار حرب حامية لن يطفئها إلا الأقوى، وأن من سيتبقى منهم حيا بعد الغارات الروسية سيقصدون بلاده وأوروبا بلباس اللاجئين وسيسخرون ما تلقنوه من تدريب ومهارات على أيدي خبراء الحليف الأمريكي في قتل الناس في فرنسا وأينما حلوا؟

الأقوى وكما يظهر الميدان، كان سلاح الجو الروسي ويد موسكو الطولى التي تدمر مواقع الإرهابيين وتحصيناتهم وتنسف بيوت مالهم وخزائنهم التي جمعوا “مدخراتها” من “التبرعات والدعم الخارجي”، ومن “إيرادات” النفط السوري والعراقي المنهوب، و”عائدات” الاتجار بسبايا القرى الآمنة وأطفالها.

موسكو، واستمرارا لنهجها، لم تكف عن تذكير الجميع بأن الوقت قد حل ولو بعد حين، للاعتراف بالفشل والتخلي عن مبدأ “الإباحية في الحب والحرب”، والتعاون مع جماعات وزمر لا شرعية وتسليحها، فمصاب باريس والعالم المتحضر لا يزال أمام الأعين وجاء نتيجة حتمية لهذه الإباحية.

وعليه، واستنادا إلى مواقفها الثابتة تجاه الإرهاب وسواه من القضايا الملحة في العالم، تبدو روسيا قولا وفعلا البلد الوحيد القادر على معالجة الأزمات بواقعية، والمستعد بقرار سيادي حازم لاستخدام السلاح في ضرب الإرهاب أينما وجد دون المتاجرة بأرواح المدنيين ومصائر البلدان والأنظمة، ويتضح كذلك أن كل عمل خارج هذا الطرح سيلقى الفشل ولن يعود إلا بنتائج لا تحمد عواقبها على الجميع بلا تمييز.

ولكن، هل ستفلح روسيا في إقناع واشنطن وحلفائها وتفضح العواصم التي تمول الإرهاب وتأويه، وهل سترفع ورقة التوت عن عورات “إباحيي السياسة” الذين يعيثون فسادا في بلدان المنطقة والعالم، وتتمكن بالتعاون مع سوريا وجيشها من تقطيع أوصال “داعش” بما يخدم حقن دماء الأبرياء في العراق وليبيا وسوريا ومصر ولبنان وفرنسا؟ هذا ما يتمناه الملايين في روسيا وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا وحتى في أمريكا اللاتينية.

روسيا اليوم

Exit mobile version