طفل صغير كان يلعب بلعبته الإلكترونية عبر النت من خلال شاشة التلفزيون، دخل عليه رجل غريب وتعرف عليه وبدأ يتواصل معه يوميا حتى قويت العلاقة وصارا صديقين، ثم بدأ هذا الشخص الغريب يسأل الطفل عدة أسئلة للتعرف على عائلته، فيقول له هل والدك يصلي؟ وهل أمك محجبة؟ وهل أصدقاء أخيك صالحون؟ وأسئلة كثيرة من خلالها يبث له معلومات بأن عائلته كلهم كفار وأن طريق الجنة يبدأ بقتل أبيه وأمه وإخوانه، ففطن الطفل الذي لم يبلغ الثماني سنوات لهذا الاستدراج وأخبر والده بما حصل له.
وطفلة أخرى لم يتجاوز عمرها التسع سنوات تحب قراءة الكتب الأجنبية التي يكون موضوعها الروايات الخيالية والسحر والقوة الخارقة، وكانت أمها تفتخر بها بالمجالس النسائية بأن ابنتها تحب القراءة ولكنها فجأة بدأت الطفلة تتحدث مع أمها بأن هناك عدة خرافات يعتقد بها الناس ومنها خرافة وجود الله، فأنكرت عليها أمها قولها، فردت عليها بأن الدين كذلك خرافة ويكفي الإنسان أن يعيش كما يريد حتى يكون سعيدا، ولو أراد الإنسان شيئا فإنه يستطيع أن يحقق ما يريد من خلال تواصله بالطاقة الموجودة بالكون، أو يستطيع بخياله أن يحضر ما يريد.
فهاتان قصتان واقعيتان الأولى لصبي وصل إلى التطرف من خلال التعرف على صديق متطرف وهو يلعب بألعابه الإلكترونية، والثانية تطرف طفلة تحب القراءة ولكنها تربت على الكتب الأجنبية المنتشرة في مكتباتنا وتبنت هذه القناعات الإلحادية، وكلتا القصتين أنا عشتهما شخصيا وأعرف أهلهما، وعندي أكثر من حالة وقصة شبيهة بما ذكرت ولكن يكفي أن نعرض في هذا المقال قصتين كمثال للتعرف على طبيعة الزمن الذي نعيشه، وطبيعة الأفكار التي يتم تداولها من قبل الأطفال.
وبغض النظر عن مصدر الأفكار والمعلومات فإني أتساءل: هل الوالدان اليوم مستعدان لمثل هذه المرحلة التي نعيشها؟ وهل لديهما الاستعداد لمواجهة هذا التحدي التربوي؟ وهل نتوقع خلال عشر السنوات القادمة زيادة في أفكار التطرف المتعلقة بالأطفال؟، كل هذه التساؤلات تجعلنا نفكر بعمق عن مصير الأجيال القادمة فكريا وثقافيا ودينيا، لأن التطور التكنولوجي السريع ودخول التقنية داخل ملابسنا وبيوتنا وحتى غرف نومنا تجعل الأفكار تصل لعقول أبنائنا بيسر وسهولة، بل إن كثيرا من الأبناء اليوم صار متصلا بالعالم الخارجي طوال الليل والنهار وبعضهم يأخذ معه الهاتف أو الأيباد أثناء دخوله الحمام.
وحتى نحافظ على عقول أبنائنا فإنه لا بد من تبني سياستين: الأولى أن نشارك أبناءنا الفعاليات التي يقومون بها سواء كانت من خلال البرامج التي يتفاعلون معها أو الألعاب التي يلعبونها أو الكتب التي يقرأونها أو المسلسلات والأفلام التي ينزلونها من النت أو يشاهدونها بالتلفاز، لأنه من أكبر الأخطاء التربوية اليوم أن نترك الحبل على الغارب أو أن نفوض أبناءنا بإدارة حياتهم كما يريدون حتى ولو كانوا صغارا، فالأفكار المتطرفة والمنحرفة صارت تدب دبيب النمل لا تفرق بين كبير أو صغير بل هي تدخل على الجميع.
والثاني أن يهتم الوالدان بتطوير أنفسهما علميا وتكنولوجيا وتربويا ويتعرفا على طبيعة زمانهما ويفهمانه جيدا حتى يواكبا طريقة تفكير أبنائهما، وأن لا يغيبا عنهم كثيرا بحجة العمل أو الهواية أو الصداقة وإنما لا بد من جلوس يومي معهم وحوار دائم عما يشاهدونه ويسمعونه للتعرف على الأفكار التي تصلهم، وأهم من هذين السببين أن نحسن توصيل الدين لهم بطريقة ممتعة وجميلة ومحببة للنفوس لا أن نلزمهم ونأمرهم من غير وعي أو فهم، ويبقى في الختام السؤال الذي لا بد من الاهتمام به: (هل وصل الإلحاد والتطرف لأطفالنا)؟.