حرصت في الرياض على تحسس صورة السودان في العيون السعودية، ما حَفّزَني على هذه المُهمّة النقاش الذي فجّره سؤال وجّهه لي أحد الإعلاميين السعوديين لحظة دخولي فندق (الماريوت) لترتيب أمري في تغطية القمة العربية اللاتينية، كان الزميل الإعلامي يسألني عصر الثلاثاء هل وصل الرئيس عمر البشير لحضور القمة؟ أجبته ان المشير في السعودية منذ الظهر، انفرجت أسارير السائل فقررت الاستزادة والتفصيل بحثاً عن ما أفرحه قلت له: هذه هي المرة الثانية التي يزور فيها البشير السعودية خلال أسبوع، فأجابني: أدري وهذا ما يفرح كل السعوديين أن يصل حجم التنسيق وتبادل الزيارات الى هذا المستوى، لأن العلاقات بين البلدين تتجاوز الأسماء والألقاب والبروتوكولات والمراسم هي علاقات شعبية في المقام الأول أخي، وينبغي أن لا تكون عرضةً لأية تقلبات أو تطورات سياسية عارضة.
بعد هذه الشهادة اتسعت حلقة الحوار وانضم عدد من الإخوة السعوديين للحوار وكأنما تواضعوا على إضاءة الإفادة السابقة والتأكيد على استثنائية العلاقات بين السودان والسعودية.
افترع أحدهم الحديث بتذكر الرئيس الراحل جعفر نميري وفاجأني إنه كان مرافقاً له في مرحلة قريبة من وفاته، وبدأ في الإشادة بمواقف الرجل الداعمة للعروبة والإسلام، ودار النقاش حول شهامته وكيف انه أيقونة أمانة عربية وان الأجيال ستظل تتذكّر تسليمه خزينة الدولة السودانية مبلغاً أهداه له رئيس دولة الإمارات وحكيمها الشيخ زايد لشراء منزل، على الرغم من أنه لقي ربه وهو لا يمتلك سكناً، تحول المجلس بعد هذه المداخلة الى تمجيد في أمانة ونزاهة السودانيين بالنسبة للسعوديين، أدركت أننا شعب مختلف وأن الحكاوي في هذا الاتجاه ليس من باب الترف وَتمجيد الذات، سرد الإخوة السعوديون أنّ السوداني هو الجنسية المُستأمنة على المال والعرض وإن هذه القناعة دفعت بالسودانيين الى مواقع مهمة في حياة الأمراء والملوك، زادني الحديث طولاً وأنا استمع لحكايات كثيرة عن أمانتنا ونزاهتنا وقربنا من وجدان الشعب السعودي.
بعد ذلك أخذ الإخوة في المجلس يتناوبون في ذكرياتهم عن سودانيين رافقوهم في رحلة الحياة الطويلة، حكى أحدهم عن أصدقائه السمر الذين جاورهم في بواكير حياته، وكان آخر يتحدث عن زمالة في المدارس لسُودانيين أصبحوا جزءاً من حياته ووجدانه وأن العلاقات والأواصر مازالت مُمتدة، وكَانَ آخر يحكي عن (مُدرِّس سوداني) في إحدى المراحل طَبَعَ بصماته على وجدان مازال يتذكّــره بكل الخير.
في تلك اللحظة كان المنسق السعودي يراجع اسمي في قائمة (حجز الفندق) ليكتشف أنني لست مُقيّداً في (الماريوت) المُجاور لـ (الريتزكالرتون) مقر انعقاد القمة العربية اللاتينية وأنه تمّ تخصيص سيارة تقلني الى المركز الإعلامي لإكمال إجراءات التسجيل لتغطية القمة، شكرتهم على حديثهم الطيب وقبل الانصراف أشار أحدهم إلى قرار مُشاركة السودان في عملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية، وينوه الى شجاعة الرئيس البشير في اتخاذ القرار وينبهني أن القوات السودانية تشارك في العمليات بإخلاص تسنده العلاقات الشعبية بين البلدين والحب الذي يكنه السودانيون لأرض الحرمين.
ودّعتهم وانصرفت مع مُرافقي الى السيارة، فتحت الباب وما أن دخلتها حتى فاجأني السائق الذي علمت أنه يتبع لوزارة الدفاع (كيفك يا زول) اختاروني لأني نسخة من السودانيين ذات اللون وإني أحبهم لأني وجدتهم ضمن تفاصيل مهمة في حياتي مازلت أذكر أستاذي وبدأ يسترسل في ذات الذكريات….
نعم هي علاقات شعبية في المقام الأول تأكدت من ذلك حينما رأيت السُّودان في عُيون السُّعودييين.
الرياض