ظاهرة قديمة عادت مرة اخرى للظهور، مع اختلاف كبير في الوسط الاجتماعي الذي ظهرت فيه حيث أصبح من المألوف ان تنظم مجموعة من الشابات والشبان أيضاً في محفل زار أو ميز زار كما يطلق عليه في بعض المرات في أحياء الخرطوم الراقية وسط فئات عمرية تتراوح ما بين 20 الى 34 سنة وجميعهم او اغلبهم يدرسون في مراحل جامعية وجامعات مختلفة وكشفت الجولة داخل هذا الطقس السحري الذي يقام بصورة دورية ما بين أحياء الرياض بالخرطوم، أو العرض والحتانة بأم درمان عن تفاصيل مثيرة وسط اقبام متنام للأجيال الجديدة من ما يعرف بـ(أولاد ميكي) على ظاهرة الزار القديمة، والتي تراجعت نسبياً بفعل الوعي الديني، وبفعل ارتفاع مستويات الوعي منذ ستينات القرن المنصرم، حيث اشتهرت شيخات زار سودانيات في كافة مدن البلاد ونلن من الشهرة الكثير من الشيخة، حوا بت أبو حديد، بمدينة كوستي وبت أب شبك بمدينة الدامر، وبت حلبة ببحري، وغيرهن كثر فما الذي حدث؟ ومن اعاد بعث هذه الظاهرة من جديد؟ ومن هم المشرفون عليها؟
ميكي وبشير لومي
تقول (أ،م) طالبة الدراسات العليا، وأحد أهم مهندسات الميز بأنها تمارس وتشارك في حفلات الزار فقط من باب الجو والمرح، وقالت ضاحكة، أصلاً انا من قمت مزيورة أي أصابها الزار، مضيفة بأنها نشأت في بيت سوداني عادي، ولم تكن لديهم داخل مجتمع النسوة في البيت أية مشاكل مع ممارسة الزار حيث كانت جدتها وخالاتها اللائي يكبرنها سناً يشاركن في حفلات الزار، وأضافت بأنها ترتاح بشدة لرائحة البخور والقهوة فضلاً عن ألوان أٌقمشة محددة وخصت (الاحمر). وواصلت بانها أثناء فترة الدراسة تعرفت على صديقتها (ن) التي صارت تنظم وتدير (ميدان الزار) داخل شقتها، وصرن من بعد يجتمعن شهرياً وبعد دفع الشيرنق يتم اعداد الطقس الذي يشتمل على أطعمة ومشروبات كالديوك التي تحدد الشيخة ألوانها وأحجامها المطلوبة والقهوة بكامل مستلزماتها فشار وبق وقنقليز وفل، وحتى أنواع الشوكلاتة والجاتوهات والباسطة، التي يتم شراها من محلات العبد المشهورة بجانب مشروبات ك(الوسكي، والجن).
ويتم تجهيز سطل طشت مليء بالماء وتكون دبخاله مجموعة من القرعات المجوفة، ودلوكة حيث تشرع الشيخة في نقر الدلوكة وأداء اغاني الزار وتنزل الفتيات كل واحدة حسب نوع الزار الخاص بها، اللولية .. بشير لومي .. الخواجة.. الحبشية .. وينخرطن في أداء الطقس لدرجة الدخول في حالات اغماء كامل وتضيف (أ.م) بانها كانت شاهدة ولمرات كثيرة على حالات “دسترة” لفتيات ونساء استمرت لأكثر من ست ساعات كاملة.
زار هجين مركب
تحدث الينا أحد الشباب المشاركين في طقس الزار قال انه اكتشف بانه مزيور بمدينة بورتسودان التي كان يعمل بها في العام 2001م قال بأنه كان يقويم بجوار أسرة أثيوبية، وقال بكون راقد في سريري الناس ديل من ما أسمع دقتم بقوم أجري جري وادخل بيتهم واقعد أرقص وأرقص لمن أغمر ولمن أصحصح بكون حاسي براحة غريبة خلاس.
وقالت (س) التي تنحدر من مناطق نهر النيل بانها تشارك في الزار ولديها زار الخواجة، حيث أقدمت على خياطة بدلة كاملة فل سوت باللونين الابيض والاحمر، ع كرافتة حمراء وحذاء برقبة طويلة “بوت” وطربوش احمر. وأضافت بأن الزار في مناقطهم زار هجين، وهو خليط من الزار الحبشي (ماماي) والخواجة، وقالت بانها تدخن السجائر (البنسون) أثناء نزولها لميدان الزار، فيما شبهت ما يحدث لها من اغماءات أثناء النزول بالجذب، وهو ذات الذي يحدث للدراويش والمتصوفة في حلقات الذكر والمديح.
الزار في الكنيسة الارثوذكسية
وقالت (يمكر بوزوني) وهي سيدة اثيوبية (28 سنة ) تعمل وتقيم بالخرطوم بانها شاهدت جلسات زار كثيرة حيث تعاني والدتها من نوع زار اثيوبي مرتبط بالازياء واللبس، وقالت بأنها دوماً تشتري البخور المطلوب والاقمشة وتقوم بارسالها الى والدتها كل فترة غير انها أشارت الى أنها لا تشترك بقطوس الزار لأنها مسيحية مؤمنة، مضيفة بأن ناس الزار يخافون من الصليب كثيراً. وقالت يمكر بأنها حضرت جلسات علاج بالكنيسة لمصابين بالزار أصبحوا يتحدثون أثناء علاجهم بالماء وبالصليب بصورة مخيفة وكان روحاً ما تتلبس المريض وتتكلم بالنيابة عنه وقالت بأنها تعرف شخصياً صديقة تم علاجها بالكنيسة الارثوذكسية وكانت تردد أثناء العلاج بانها لن تنجب ولن تتزوج ولن تتعرف بأي رجل، وعندما فاقت انكرت كل الذي كانت تقوله، وِأشارت الى ان أشهر معالجي المصابين بالزار في اثيوبيا هو الاب “قرماي ناني، المسجون حالياً بأديس أبابا لخلافاته مع الحكومة الاثيوبية.
الزار بعيون العلماء
وفيما يرى العديد من المختصين والخبراء بأن الاتجاه الجديد للشباب نحو الزار انما ينبع من حالة الفراغ الروحي والقيمي الذي يعيشون وسط عالم استهلاكي النزعات ومتسارع الايقاع، فان العديد من علماء الطب النفسي يضعون الزار ضمن أساليب العلاج المعتمدة (طبياً) وعلى رأسهم العالم الراحل البروفيسور حسبو سليمان الذي كان ينصح مرضاه بطرق أبواب الزار بجانب البروفيسور الراحل وأبو الطب النفسي التجاني الماحي، الذي نشر العديد من البحوث عن الزار قبيل وفاته في 1970م.
صحيفة حكايات