قال وزير الصحة بولاية الخرطوم بروف مأمون حميدة إن علاج الأجانب يكلف الدولة في العام 78 مليار جنيه سوداني، في حين حذر رئيس أمانة التخطيط الإستراتيجي بروف محمد حسين أبو صالح من خروج الوجود الأجنبي خاصة من اللاجئين الأثيوبيين عن السيطرة إذا لم تتخذ الدولة ترتيبات إستراتيجية لمكافحته، مشيراً إلى أن عدد سكان أثيوبيا يبلغ 90 مليوناً، يزدادون سنوياً بمعدل مليونين، وإن أثيوبيا زرعت كل أراضيها الزراعية، الأمر الذي جعل الرجل يرفع صوته عالياً ليعبر عن خشيته، مع تزايد الهجرة غير الشرعية، من أن يأتي يوم يستخدم فيه مصطلح الجالية السودانية في السودان!.
هل فهمتم قرائي الكرام لماذا يسيطر الأثيوبيون على مليون فدان من الأراضي الزراعية عالية الخصوبة في منطقة الفشقة بالقضارف للدرجة التي جعلت الوالي ميرغني صالح يجأر بالشكوى ولا يجد من يستمع إليه، بينما البلاد تنتقص من أطرافها وتستباح من قبل جيرانها الطامعين في خيراتها؟!.
حديث خبير التخطيط الإستراتيجي محمد أبوصالح ينبغي ألا نمر عليه مرور الكرام، فكفانا غفلةً وتعاملاً بأسلوب إطفاء الحرائق ورزق اليوم باليوم، بعيداً عن النظر المتبصر لما يمكن أن نستقبل من مآلات مدمرة نرى ارهاصاتها في واقعنا المأزوم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.
ما قاله مأمون حميدة وأبوصالح يعبر عن جزء من أزمة الهجرة الأجنبية التي تعاني منها بلادنا ولا تعيرها الدولة أدنى اهتمام، ففي حين تحدد دول أوروبا المترفة (كوتات) صغيرة من المهاجرين الأجانب الذين ينبغي أن تسمح كل دولة بدخولهم تحت ضغط المأساة الإنسانية الناشئة عن تفاقم الأزمة السورية يستقبل السودان الفقير بل ويجنس ملايين اللاجئين الفارين من دولهم بحثاً عن الأمان كما في حالة دولة جنوب السودان التي تفتك بها الحرب الأهلية أو الهاربين في طلب لقمة العيش كما في حالة المهاجرين الأثيوبيين أو من دول غرب أفريقيا التي تعاني من اضطرابات أمنية.. كل هؤلاء يدخلون بلا تأشيرة وبلا رقيب أوحسيب ويحمل كثيرون منهم الأوبئة الفتاكة كما تتسلل من بينهم بعض الخلايا النائمة التي يزرعها من يتربصون ببلادنا سواء كانوا متمردين يحملون من الأجندة ما يحملون أو أجانب مرتبطين بأصحاب الأجندة التي لطالما عانينا من شرورها.
إنها الغفلة التي تجعل السودان يوقع منذ نحو عام مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة لاستخراج وثائق ثبوتية لـ(500) ألف مواطن من جنوب السودان للحصول على أذونات للدخول بل والعمل والإقامة!.
إنها الغفلة التي تجعل مفوض العون الإنساني بولاية النيل الأبيض يصرح قبل نحو أسبوعين وكأنه بلغ قمة المجد بأنهم فرغوا من حصر (91) ألف وافد جنوبي بمحليات السلام والجبلين (تمهيداً لتمليكهم بطاقات قومية لتسهيل معاملتهم كمواطنين وتقديم الخدمات الضرورية التي تتمثل في الصحة والتعليم والمياه)، مشيراً إلى أن عمليات الحصر تمت بالتنسيق مع الشركاء ممثلين في السجل المدني وجمعية الهلال الأحمر السوداني إلى جانب برنامج الغذاء العالمي!.
بالله عليكم هل يحدث ذلك في أي مكان في العالم؟
شعب آخر قاتل (ليتخارج) من الوحدة معنا وعندما اتيحت له الفرصة ليقرر مصيره أجمع مواطنوه على رفض كل ما يجمعهم بنا في وطن واحد.. حتى من عاشوا بين ظهرانينا في الشمال لعشرات السنين بعد أن فروا من جحيم الحرب في بلادهم صوتوا بما يشبه الإجماع للانفصال عن (المندكورو) الذي يبغضون ورغم ذلك نمنحهم الجنسية التي رفضوها رغم ما بذلته قبيلة النعام من أموال وهبات ومشروعات في سبيل استبقائهم في كنف الوحدة المستحيلة!.
لماذا الجنسية ومن الذي يملك حق منحها لكل من هب ودب حتى ولو ركلها محظوظو غفلتنا بأقدامهم يوم كانت متاحة؟ لماذا ونحن نعلم أن ذلك الفعل يمثل اضراراً بوطننا؟.
ما ذكره مأمون حميدة حول ما يخسره السودان في علاج الأجانب يمثل غيضاً من فيض الخسائر الفادحة التي يتكبدها السودان في الكهرباء والمياه والغذاء رغم اقتصاده المنهك وأزماته (المتلتلة).. ليت القائمون على الأمر يحصون، على غرار ما فعل مأمون حميدة، خسائر الهجرة الأجنبية في المجالات الأخرى مثل القمح والدقيق والغذاء واستهلاك المياه والكهرباء التي نعاني من شحها بنفس الصورة السابقة لقيام سد مروي رغم كرنفالات الفرح والأهازيج التي أقمناها في تلك الأيام ظانين أننا استدبرنا معاناة نقص الكهرباء والمياه إلى الأبد.
بح صوتنا ونحن نتحدث عن الهجرة الأجنبية التي تمثل خطراً سياسياً واقتصادياً وأمنياً وصحياً وفوق ذلك خطراً داهماً على هويتنا الوطنية، فهلا تولى السيد رئيس الجمهورية هذا الأمر بنفسه وبما يستحقه من تدابير؟.