* لو كان الناس ينضبطون من تلقاء أنفسهم، ولا يقتلون ولا يسرقون ولا يرتشون ولا يبغون على بعضهم، لما كانت هناك حاجة لإقرار تشريعات تأخذ للضعيف حقه من القوي، وتعاقب المتعدي والمجرم والباغي، وتشكل رادعاً لكل من تسول له نفسه التعدي على الآخرين.
* لذلك نقول إن حديث مولانا عوض حسين النور، وزير العدل، عن مسؤولية المواطنين عن تفشي الرشوة في دواوين الحكومة لا يستقيم عقلاً، لأن من يدفع كي يقضي غرضاً يفعل ذلك مضطراً، كي لا تضار مصالحه، وتتعطل أعماله.
* لو ضبطت السلطة دواوينها، وألزمت موظفيها بأداء مهامهم على الوجه الأكمل، ووفرت لهم رواتب مجزية، وشروط خدمة عادلة، وفعَّلت القوانين التي تحاسب المرتشين، لما تفشت الرشوة، ولما اضطر أي مواطن لدفع (إكرامية) تحرك المُعطََّّل، وتسهل المعاملة.
* لو لاحقت وزارة العدل كل من تسول له نفسه التعدي على المال العام، لما تفشى الفساد في الأرض.
* من أوجب واجبات الوزارة أن تضع قانون الإجراءات المالية والمحاسبية (للعام 2007) موضع التنفيذ، بعد أن تنفض الغبار عنه، وتعيد تفعيله، كي يعيد للخدمة المدنية هيبتها المفقودة، ويحمي المال العام من عبث العابثين، واختلاس الفاسدين.
* القانون المذكور ظل مرفوعاً عن الخدمة منذ إقراره وحتى اللحظة.
* تطبيقه سيسهم في إصلاح حال الخدمة المدنية، لأنه يحوي ضوابط مشددة، ومادة صارمة، تعاقب من يستغل سلطته لإهدار المال العام بالسجن لمدة عشر سنوات، ونعني بها المادة (29) الفقرة الأولى، التي تنص على ما يلي: (يعتبر مرتكباً جريمة كل شخص يخالف أحكام هذا القانون، أو اللوائح الصادرة بموجبه، ويعاقب بالسجن لمدة لا تجاوز عشر سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً، وذلك مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يكون عرضة لها وفقاً لأحكام أي قانون آخر).
* العقوبة المذكورة تطال كل من يبدد المال العام، أو يجنِّبه، أو يصرفه في غير الأوجه المحددة لصرفه، أو ينفقه بإهمال، أو يتأخر في توريده لخزائن الدولة، أو يتأخر في قفل حساباته، أو يتلف المستندات والنماذج المالية ذات القيمة عمداً، وتشمل كل من يرتكب جرائم التعدي على المال العام بكل أنواعها.
* هل سمعتم بأي فاسد أو مختلس أو مُجنِّب أو مستهتر بالمال العام حوكم بنص المادة المذكورة؟
* لو تمت إحالة المخالفين إلى المحاكم، ليحاسبوا بموجب القانون المذكور لما جرؤ أي موظف على التعدي على المال العام، ولما احتاج مولانا النور لتحميل المواطن (الفقران الغلبان قليل الحيلة) مسؤولية تفشي الرشوة في دواوين الدولة.
* قبل فترة حمّل أحد نواب البرلمان الشعب مسؤولية كل المشاكل التي يعاني منها السودان، متهماً إياه (بالتراخي وعدم الجدية وضعف التفاعل مع الحكومة في برامجها).. ونحن نقول له: لو أديتم واجبكم كما ينبغي، وحاسبتم المخالفين، وقدمتم القدوة الحسنة لناخبيكم لتبعوكم، ولتوارى الفساد، وانصلح حال البلاد والعباد.