> «تراجي» انتقلت من «التمرد لدرجة لدرجة تبني التطبيع مع إسرائيل» إلى المعارضة التي تشبه معارضة أصدقائها الجدد في حزب البعث العربي الاشتراكي.. من حيث إنها معارضة للحكومة والمعارضة والتمرد على السواء.
> ثم تنتقل الآن من جنس هذه المعارضة «المعارضة البكماء العمياء» إلى معارضة «الحوار» أو بمصطلح شيوعي لا بأس من اقتباسه هنا «معارضة الديالكتيك»
> أي معارضة الحوار نقاشاً وجدلاً. وحينما نستخدم هنا المصطلح الشيوعي هذا الذي يحمل معنى الحوار نؤكّد أن الحزب الشيوعي السوداني الذي أصبح مجهول الأبوين قد أصبح أيضاً «أجوف» خالياً من مضامين الحزب الشيوعي السوفيتي حينما كان حاكماً لاتحاد الجمهوريات السوفيتية.
> وأيام قوة الاتحاد السوفيتي كان قد شارك الحزب الشيوعي السوداني في حكومة «غير شرعية» هي حكومة نميري.
> والآن لم يسعه أن يشارك في مشروع «الحوار الوطني» أو «الديالكتيك الوطني» وهي ليست مشاركة في الحكومة.
> ولأن الخرف السياسي قد أصاب هذا الحزب الغريب في هذا المجتمع.. هذا الحزب الذي يتغذى على رعاية الرذيلة بكل ألوانها منذ حادثة كلية التربية عام 1965م التي طرد بسببها من البرلمان، فهو قد تخلى عن أهم أدبياته وهو الحوار، لأن حالة الخرف لا تتعايش معها الحالة الذهنية السليمة.
> وكل ما يفكر فيه الشيوعيون هو أن مشاركتهم في «الحوار» تعني خدمة بقاء النظام الحاكم.. مع أن النظام الحاكم يمكن أن يبقى دون محاورة الشيوعيين، بل دون حوار بالمّرة. وهذا لم يستوعبوه لأنهم في مرحلة «الخرف السياسي» وهي مرحلة حتمية تسبق وفاة الحزب تماماً ودفنه أو تحنيطه في مزبلة التاريخ.
> و«خرف» الحزب الآن لا يمكن معالجته أو زواله وهو يمضي نحو الموت الايدولوجي.. فقد فشلت تنبؤات كارس ماركس.. ولم تنجح حتى نظرية حرق المراحل التي طبقت في روسيا.
> ومع ذلك يرفض الشيوعيون الحوار الوطني مع انهم يقبلون «الحوار الصحفي.. وبعض قياداتهم تستضاف في صفحات الصحف.. لكن لم تفكر آلية الحوار الوطني أن تنقل الحوار معهم بطريقة غير مباشرة إلى صفحات الصحف.. فالصحافة تحاور الحزب الشيوعي وتنشر الحوارات مع قياداته كل صباح تقريباً».
> والمسائل التي كان سيعلق عليها ويدلي فيها برأيه داخل قاعة الحوار الوطني إذا كان ضمن المشاركين فيه يمكن أن يعلق عليها على صفحات الصحف ضمن أسئلة الحوارات الصحفية.
> لكن ماذا سيقول؟! فهو لا يملك معرفة سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية تجعل منه عنصراً فعّالاً في مشروع إعادة البناء في السودان .. أو حسب المصطلح الشيوعي «البروسترويكا».
> و«البروسترويكا» التي تعني «إعادة البناء» كانت هي مشروع مراجعات داخل الحزب الشيوعي السوفيتي وبالتالي الأحزاب الشيوعية الأخرى.. وكان يقوده ميخائيل قورباتشوف آخر زعيم شيوعي في الاتحاد السوفيتي.
> ومحمد إبراهيم نقد كتب هنا عن البروسترويكا أسوة بقورباتشوف لكن سمّى كتابه «السودان» فهو بروسترويكا مناسبة في نظره للحزب الشيوعي السوداني «أي بروسترويكا بلدية».
> إذن حتى مشاركة الحزب الشيوعي في الحوار لا تسمن ولا تغني من جوع ولا أثر لها ولا قيمة ولعل قادة الحزب يشعرون بذلك لذلك آثروا أن يستثمروا في ضلالهم القديم.
> أما «تراجي».. فإن كان خرفها السياسي مبكراً.. فهو يمكن أن يجد مراجعات بعد مخاصمة الحركة الشعبية تستشرق «آخرها قاف» أملاً في إزالة هذا الخرف السياسي المبكر.. ولعله وجد هذه المراجعات.. وهي تولي تفكيرها شطر الحوار الوطني لتتوفر لها فرصة مخاطبة رئيس آلية الحوار رئيس الجمهورية من مسافة قريبة جداً يسمع فيها صوتها بنبرتها ولسانها.
> إذن نجحت «تراجي» في امتحان القضية الوطنية وهي تغتنم الفرصة للمشاركة بتفكيرها في حلها.. ورسب وسقط الحزب الشيوعي.. وهو معذور سياسياً وفكرياً لأنه في مرحلة خرف تسبق الموت المحتوم.
> والفرق بين «الخرف المبكر» الذي زال من «تراجي» وبين الخرف الذي يأتي في الشيخوخة هو أن للأوّل أمل في زواله وللثاني يكون زواله بالموت فقط.
«غداً نلتقي بإذن الله»