معالجة الخطأ بخطأ أفدح منه ينزلق بالمجتمع في هاوية سحيقة (أجمل الناجين فيها يحمل خنجراً) كما يقول الشاعر..
مقطع فيديو مؤسف ومحزن ينتشر تداوله على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) في اليومين الماضيين.. لص ليلي وقع في قبضة ساكني المنزل الذي حاول الدخول فيه وهو منزل عزاب كما نفهم من الحوار الفظ الذي كان يدور بين اللص وأصحاب المنزل.. حوار العصا والتعذيب الجسدي واللفظي وأخذ الحق باليد..
وفي المقطع يظهر اللص المقبوض عليه وهو يقوم بقضاء عقوبة قررها أصحاب المنزل الذين جمعوا أمامه كل ملابسهم المتسخة وطلبوا منه غسلها ثم قاموا بتصويره أثناء عملية إذلاله وضربه بالعصا أثناء غسله للملابس ثم أخذ تعهدات منه بأن لا يقترب مرة أخرى من منزل يسكنه أبناء قبيلة بعينها على طريقة (تاني بتجي بيت سكانه من القبيلة الفلانية؟) فيجيب بلا.. ثم يعاد عليه السؤال بصيغ مختلفة تسمح لهم بتكرار ضربه بتلك العصا التي يحملها أحدهم .
محاولة أخذ العدالة باليد تجسد أزمة قاتلة ومدمرة في مجتمعنا، وأخذ العدالة باسم القبيلة واسم العنصر جريمة لا تقل حجماً عن جريمة السارق الذي يتسلل الى بيوت الناس ليلا ً أو نهاراً.
بل هي أس المشكلات التي تعيشها بلادنا، فالعصا التي حملها سكان بيت (العزابة) في وجه اللص الذي تسلل إلى بيتهم، وتنفيذهم بيدهم العقوبة التي تشفي غليلهم يعادل هذا الفعل فعل كل من اعتقد أنه هو أو قبيلته أو منطقته تعرضت لظلم أو ضياع حقوق في الخدمات أو السلطة أو الثروة هنا أو هناك ثم قرر أن يسترد هذه الحقوق بالبندقية فتكون النتيجة انتقاله من خانة المظلوم إلى خانة الظالم الذي يستحق المحاكمة على تجاوزه للقانون.
لن ينصلح حال بلادنا ما لم نحتكم في كل قضايانا إلى القانون.. لن ينصلح حالنا مادامت العبارات الأقرب إلى ألسنتنا حين نتعرض الى الظلم والاعتداء من أي أحد هي تلك العبارات التي تفيد بوعيدنا وتهديدنا بنيل حقنا بأيدينا.
حتى ثقافة التهديد الحميم في (ونستنا العادية) في الكثير من الأحيان نجدها تستخدم عبارات تحمل معاني عالية السقف ومكثفة الغلظة حتى مع أبنائنا مثل (لو ما سمعت الكلام بجي بكسر ليك راسك دا).. (لو قمت عليك بضبحك) لاحظوا حجم الفعل وسقف العقوبة..
أخطر ما في تفاعلات المشاهدين لفيديو لص بيت العزاب وتعليقاتهم عليه أن ما فعله هؤلاء جعل معظم من شاهدوا هذا المقطع يتعاطفون بالكامل مع اللص الذي تحول من جانٍ إلى ضحية..
فيديو لص بيت العزاب يجسد واقعاً خطيراً ويعبر عن ردة حضارية كبيرة في مجتمع عنوانه المروءة والشهامة وتاريخه دورساً في العدالة ومكارم الأخلاق.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
بقلم: جمال علي حسن
صحيفة اليوم التالي – الأربعاء 4 نوفمبر