أحدث الدكتور الشاب عمار السجاد ضجة اسفيرية عندما وصف الترابي بانه (نبي زمانه)، ولم تهدأ الضجة حتى بعد أن
أضاف السجاد شرحاً قال فيه إن الوصف على المجاز لا على الحقيقة، إذ انه لا يعني ان هناك رسالة سماوية جديدة بعد رسالة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.
وقبل الدخول في هذه المتاهة التي نصبها د.السجاد، ومحاولة فك طلاسمها اللغوية والشرعية، او محاولة حملها على افضل الوجوه، فإنه من الجدير بالذكر ان القاعدة الصلبة التي ينطلق منها الترابي في افكاره السياسية، وآرائه الفقهية تنزع نزوعاً شديداً نحو اللامركزية.
الترابي لا يُقرُّ المركزية الروحية التي تعني الانقياد والإذعان والتسليم لشيخ من الشيوخ باعتباره صاحب فيوضات روحية ما على الآخرين الا أن ينهلوا منها ويعُبًّوا، ان الترابي ينادي بأن يكون كل فرد مسلم شيخا له فيوضاته وإمداداته الخاصة.
وهو لهذا يحارب الطائفية والصوفية ويرى انها أقعدت بالمجتمع المسلم، وقيّدته عن الانطلاق، لانها أسلمت زمام الأمر كله الى فرد واحد هو الشيخ، وهو ايضا يحارب المركزية الفقهية وينادي بالاجتهاد الشعبي(اذا جاز التعبير) ويرى ان النصوص القرآنية جاءت على صيغة الجمع عندما يتعلق الأمر بالفهم والفقه عن الله عز وجل(لعلهم يفقهون)(يذكرون)(يعقلون)(لأولي الألباب)(لأولي الأبصار)(أفلا يتدبّرون القرآن؟)(أفلا تبصرون؟)وغيرها من الآيات الحاضّة على الفقه والتعقل بصيغة الجمع، وليس بصيغة فردية بحتة.
وليس سراً ان دعوة الترابي هذي وجدت صدى ودويّاً هائلاً وسط القطاعات الشبابية والطلابية، فانجفل اليه الآلاف من الشباب والشابات والطلاب هربا من الطائفية في نسختيها (الختمية والانصار)، وتحررا من المذهبية التعبدية (المذهب المالكي) بالنسبة للسودانيين، وانعتاقا ايضا من الانتظام في طريقة صوفية.
لكن ليس سراً ان كثير من الاسلاميين وقعوا فيما فرّوا منه، واستبدلوا الطائفية التقليدية بطائفية حديثة، وحاول كثيرون منهم ان يضعوا الترابي في الخانة التي كان ينكرها على غيره، لأنه اذا كانت الطائفية تعني في بعض صورها التسليم والانقياد التام الى الزعيم الديني، فإن بعض أنصار الترابي كانوا طائفيين حتى النخاع، ولم يكونوا يرون ان الرجل يمكن ان يخطيء في موقف من المواقف.
بين يدي قيام انقلاب الانقاذ ووقوع الانفصال الشهير بين البشير والترابي وحتى بعد ذلك، ألغى طائفة من الاسلاميين عقولهم وكانوا يدافعون عن مواقف وآراء للترابي اكدت الوقائع خطأها، وأثبتت الايام خطلها، بل ان التعرض لآراء الترابي في فترة من الفترات كان يجلب على صاحبه الويلات.
كل هذا العناء الذي يتجشمه البعض في الولاء للترابي والحب له يناقض اساس افكار الرجل التحريرية، ويناهض اسلوبه في الحياة القائم على الكسب الفردي والتحرر من اي سلطان سوى سلطان الرحمن جل جلاله، ويفارق المسار الذي خطه الترابي لنفسه ولاتباعه بعدم إسباغ هالة القداسة على شخص، او انتظار النتيجة دون بذل السبب، ويبدو رأيه في المهدي المنتظر أنصع دليل على ذلك.
فلماذا يريدون ان يُلبسوا الرجل ثوباً لا يرغبه؟.