كتبت مطلع الأسبوع في ما رأيت أنها قضية خطيرة.. وهي قرار وزارة العمل إخلاء موقعها في برج الخرطوم المملوك للجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي.. والعودة إلى مقرها المملوك لها بشارع الجامعة.. كتبت مستندا على نقطتين جوهريتين.. الأولى ثقة كبيرة في مصدري ودقة وصحة معلوماته.. والثانية ما بدا لي أنها المصلحة العامة.. كان من رأيي.. وفقا للمعلومات المتاحة لي حتى يومها.. أن المصلحة العامة تقتضي بقاء وزارة العمل في برج الخرطوم.. وقد طرحت أسانيدي وحججي يومئذ.. وقد يكون جزء مقدر منها منطقيا وسليما.. غير أن اتصالا من صديقي الدكتور أحمد بابكر نهار وزير العمل قد نسف واحدة من النقطتين الأساسيتين التي استندت عليهما.. هل أقول إن ما بني على باطل فهو باطل..؟ لقد اعتدنا على استخدام هذه العبارة في تفنيد مزاعم خصومنا.. ولكنها ربما تكون المرة الأولى التي نستخدم فيها ذات العبارة القاسية لتفنيد ما كتبنا نحن لا خصومنا.. والأمانة تقتضي ذلك..!
كانت المعلومات طرفي تؤكد أن وزارة المالية والاقتصاد الوطني هي صاحبة التوقيع على عقد إيجار المبنى المذكور.. وأن وزارة العمل واحدة من المؤسسات الشاغلة للموقع وبالتالي فإن العبء المالي.. مبلغ نصف المليار. موزع على كل تلك الأطراف الشاغلة للموقع.. وهذه هي الفرضية التي حاولت أن أفند بها ما قيل عن توفير نصف المليون جنيه فور إلغاء العقد.. غير أن الوزير نهار الذي لم يشفع لي عنده ما قلته من أنه ربما لا يعلم الحقائق.. بل في الواقع هذه العبارة قد أغضبت الرجل.. وبالفعل فحين تمعنت فيها وجدت فيها قبحا لا يليق توجيهه لأي شخص ناهيك عن مسؤول.. الجوهري في الأمر.. أن السيد الوزير قد حمل لي بنفسه.. نعم بنفسه.. وثيقة تمثل عقدا مستوفيا لكل شروط الأهلية وكامل الحجية بين طرفين.. كانت مفاجأة لي أن الطرف الثاني هو وزارة العمل.. أو للدقة وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل.. وليس وزارة المالية كما قيل من قبل.. وموضوع العقد هو إيجار العقار رقم (1) في برج الخرطوم.. الطريف أن ذلك العقد قد اكتسب لاحقا قوة إضافية بأن أصبح الموثق له.. المستشار القانوني حينها.. أحمد عباس الرزم هو الآن وكيل وزارة العدل..!
كما دفع لي السيد وزير العمل بوثيقة أخرى تحمل عنوانا يقول.. (عقد تشغيل وصيانة مبنى برج وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل) والقيمة الشهرية لهذا العقد.. مع شركة خاصة.. فقط تسعة وستون ألف جنيه لا غير.. وتشمل كما نص العقد.. توفير المعدات وقطع الغيار والآليات والعمالة اللازمة لتشغيل وصيانة مبنى الطرف الأول محل العقد.. هذا العقد فسر لي لاحقا.. غضبة د. نهار وهو يقول.. لا يمكن أن أبقى في هذا المكان دقيقة واحدة.. ولسنا في حاجة إلى القول بأن من وقع العقد ملزم بسداد قيمته قانونا غض النظر عن من يشغل هذا المبنى.. مما يجعل وجود جهات أخرى في ذات المبنى محل تساؤل.. هل تستضيفهم وزارة العمل..؟ ولماذا..؟ أم أن نصف المليار هذا هو فقط حصة وزارة العمل.. وأيا كانت الإجابة فقد حسم نهار بمستنداته هذه نقطتيّ الجوهريتين.. وهذا يوجب علينا اعتذارا مستحقا للرجل وأركان حربه.. وها نحن نفعل..!
ولكن ثمة أسئلة ما تزال في حاجة إلى إجابة.. فإذا كان سؤال وضع الأطراف الأخرى في العقار موجها للعهدين عهد إشراقة وعهد نهار.. فإن ثمة سؤالا آخر موجها لعهد إشراقة وحده.. فقد علمت أن السيدة إشراقة سيد محمود وزيرة تنمية الموارد البشرية والعمل السابقة كانت في آخر عهدها بالوزارة قد شكلت لجنة لتحديد أنصبة الأطراف في قيمة عقد التشغيل والصيانة.. والسؤال: لماذا تأخر تشكيل هذه اللجنة لأكثر من عام.. منذ مارس 2014 تاريخ توقيع عقد التشغيل والصيانة.. وهذا ينطبق بالضرورة على عقد الإيجار الذي سبق عقد التشغيل بأكثر من نصف العام..؟!