٭ في التاسع من يوليو من العام 7002 كان المشير البشير يستمع في جوبا باهتمام لخطاب ألقاه نائبه الأول سلفاكير بمناسبة ذكرى توقيع اتفاق السلام الشامل .. بعد قليل سرعان ما تحولت ملامح البشير إلى غير الرضاء حينما ركز نائبه حديثه عن الفساد المستشري في السودان .. حينما جاء دور البشير في الخطابة فجر قنبلة من العيار الثقيل فكشف عن مبلغ ستين مليون دولار استلمتها الحركة الشعبية نقداً قبيل وصول جحافلها للخرطوم.. اختفت تلك الحقيبة الثمينة في ظروف غامضة وزادها غموض رحيل زعيم الحركة الشعبية في ظروف أكثر غموضا.
٭ تذكرت تلك الحقيبة المفقودة والطاهر عبدالقيوم المراجع العام يكشف أمس أمام البرلمان عن مبلغ يقارب المليار دولار من أموال النفط يكتنفه غموض مماثل.. حسب الصحف التي استندت على تقرير المراجع العام أنهم لاحظوا أن مبلغ تسعمائة وستين مليون دولار حسبت كمصروفات تشغيلية بدون وجه حق..بعد (يفتح الله يستر الله) تم اعتماد مبلغ (332) مليون دولار كمصروفات حقيقية .. وحسب ذات التقرير فإن المبلغ المتبقي (628) مازال قيد المناقشة..من المهم جداً أن نعلم أن هذه الملاحظة الخطيرة تعود للفترة من بين 6991 وحتى العام 2012.. الأعوام اللاحقة لم تتم مراجعتها حتى الآن.
٭ عدد من الاسئلة تقفز في هذا الصدد.. من بينها كيف تأخر اكتشاف المخالفة كل هذه السنوات .. ولماذا لم يركز عليها تقرير المراجع العام بالرغم من ضخامة المبلغ.. إذا ما ربطنا هذه المخالفة مع أخرى في وزارة المعادن التي يمثل أحد مدراء شركاتها للعدالة الآن لتبين لنا أن هذا ربما يكون رأس جبل الجليد في قطاع النفط والتعدين .. بل هذه المعلومة ربما تفتح الطريق للإجابة على سؤال أين ذهبت عائدات قطاع النفط المقدرة بنحو خمسين مليار دولارات في سنوات الرخاء بالنسبة للاقتصاد السوداني.
٭ ها نحن نفتح ملف تبديد أموال النفط قبل أن نغلق ملفاً عن شبهات فساد في الجمارك، وآخر في خط هيثرو.. وقبلها كانت الخرطوم تنام وتصحو ولا تكف عن الحديث في فساد الأراضي.. معركة مكافحة الفساد دخلها الشيخ عبدالحي يوسف بجلبابه الأبيض .. حيث أصدر شيخ عبدالحي فتوى تحرم التحلل إذا ما وقع الفاسد بين يدى العدالة.. بل إن زخم الفساد جعل لجنة الحريات في الحوار الوطني تتنكب الطريق وتنادي باستدعاء مدير أراضي ولاية الخرطوم بدلا عن المسئول عن قبض الحريات .. هذه اللجنة المنوط بها البحث عن أفضل السبل لتوفير الحريات لشعبنا المكبوت ركبت الموجة تحت وطأة الإحساس بالفساد.
٭ في تقديري.. أن الحكومة تواجه خطراً أكبر من الفساد نفسه.. الإحساس بوجود فساد أضحى مهدداً اقتصادياً .. سيفقد كثير من رجال الأعمال الثقة في البيئة السودانية بسبب هذا الإحساس.. كثير من المساعدات المالية الدولية ستبحث عن بلاد نظيفة استناداً على الإحساس أن هذه الأموال ستضل طريقها إلى جوف القطط السمان.
٭ بصراحة..هذا الشعور المدمر يحتاج لمزيد من الشفافية..كلما تمكنت العدالة من اصطياد مفسد، كلما شعر الناس أن (السيستم) قوي وفعال.. وكلما تم لملمة المواضيع إعمالاً لفقه السترة كلما زاد الارتياب.