كاتم أسرار الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري: عدم وجود الخبز وشح البنزين وصفوف الرغيف أهم الأسباب التي أطاحت حكم نميري

هذا هو الضابط الذي قام بتجريد بعض ضباط قيادة الثورة من علاماتهم العسكرية بناء على توجيه النميري
نعم تسرع نميري في إتخاذ هذا القرار.. وأخطأ في عدم تعيينه لموظفين جدد في الشركات التي قام بتأميمها
الترابي أول من تم إعتقاله من قيادات الإخوان وقدم النصح للبقية بالهروب حتى لا يطالهم أمر الإعتقال في ثورة رجب أبريل
ضابط نصح نميري بعدم السفر للإستشفاء بأمريكا تحسباً لما يمكن أن يحدث وبرغم إيمان الرئيس بإخلاصه إلا أنه لم يسمع له
عدم وجود الخبز وشح البنزين وصفوف الرغيف أهم الأسباب التي أطاحت حكم نميري
سوار الذهب كان زاهداً في تولي زمام السلطة وبرغم ذلك تم تنصيبه رئيساً للمجلس العسكري لهذه الأسباب…!!
العميد منير: نميري لم يكن له ضلوع في أي فساد حتى نهاية عهده

حاورته: بثينة أبو القاسم

مشير حمد سراج عميد معاش عمل مع الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري رحمه الله وكان سكرتيراً خاصاً له.. عاصر قيام ثورة مايو وكلف بالعديد من المهام العسكرية التي برع في تأديتها وعمل بالعديد من دول العالم، كتب كتابه الذي حوى العديد من الشواهد والتوثيقات عن دولة السودان, ولد بحي الوابورات بحري، حيث كان يضم والده بحكم عمله موظفاً في ذلك الحي.. إلتقيناه وقدمنا إليه استفساراتنا فجادت ذاكرته بالكثير المثير.. تابعوا معنا نص الحوار:

* هل نجح الضباط في تولي مهام الدبلوماسية الخارجية آنذاك؟
– لا.. ليس جميعهم فمنهم من فشلوا في هذا المنحى الهام.
* إذاً ما هو الدرس المستفاد من سجل الصفوة الدبلوماسية؟
– الدرس المستفاد هو ضرورة حسن الاختيار لأن الدبلوماسي ليس كغيره من المهاجرين الدبلوماسيين للعمل بل هو ممثل للشعب يجب أن يتحلى بالصفات السودانية والحكمة ولا مجال للمجاملة في إستيعاب وزارة الخارجية الدبلوماسية فمن الضروري حسن الإختيار.. والمحايدة وتمكين الذين يصلحون للعمل.
* هل كان نميري يميل إلى التسرع في حياته العملية وإتخاذ القرار؟
– نعم.. كان كثير الاستعجال في عمله ومن الأشياء التي قام بها بدافع العجلة خرج بابكر النور وهاشم العطا وفاروق عثمان ووضعهم في منازلهم وعمل لهم حراسة مشددة برغم أن فاروق لم يكن يسارياً بل كان في توجهه أقرب إلى القوميين العرب وثلاثتهم كانوا أعضاء مجلس قيادة الثورة لذلك غضب هؤلاء غضباً شديداً وفي ذات الوقت جاء نميري بالبعض الآخر من أعضاء مجلس الثورة وهم مأمون عوض أبو زيد وزين العابدين محمد أحمد عبد القادر وأوقفهم صفاً داخل القصر الجمهوري ونادى بالضابط عمر محكر وأمره بأن يقلع (الاسبلايتات) من على ملابس هؤلاء الضباط حتى يصيروا كالملكية مما أشعل في دواخلهم المزيد من الحزن والغضب.
* أكثر رئيس دولة كان معجباً بنميري؟
– جمال عبد الناصر كان معجباً بشجاعته فعندما حدثت التأميمات والمصادرات كان الرئيس جمال موجوداً بدار الرياضة بالسودان فحينما أمم نميري أغلب المؤسسات حتى بنك مصر وقبلها شاور جمال فيما يمكن أن يفعله بهذا البنك، وسأله عن ما أصدر من قرار فرد عليه قائلاً: (اشتغلت تمام) أكثر من المصريين، فجمال عندما أراد تأميم قناة السويس عين الموظفين قبل الإستلام ولكن أخطأ نميري بعدم تعيينه للموظفين قبل التأميم.
فجاء مكلفاً البعض بالبحث في دليل التلفونات حتى يستطيع تعيين موظفين وهذا القرار كان من أخطر القرارات التي إتخذها نميري بجانب فصله لبعض أساتذة الجامعات ومنهم د. عبد الله الطيب. فغضب الأساتذة وجاء د. عبد الله الطيب بطلب مقابلة الرئيس وحدد له موعداً للاجتماع به فأرجعه للعمل بحكم كفاءته وشطارته ومن ثم جاءني ثلاثة من أساتذة الجامعات منهم بوب وعبادي وآخر وبصحبتهم كشف يبين استقالاتهم من العمل بالجامعة إذا لم يستجب الرئيس لمطالبهم وحينما عرض على نميري ذلك الكشف هاج وماج وقال لي: ايهددوني؟.. وطالبني بأن أحدد له اجتماعاً في يوم الجمعة ليلقاهم في الجامعة لوحده.. فقلت له: أأذهب معك ومعي عمر الحاج موسى.. فرفض حينما طلبت من د. مهدي مصطفى الهادي وفاروق أحمد عمر بضرورة عمل خطاب جميل للرئيس يبين فيه دور الجامعة وأهمية الأساتذة وحينما عرضته عليه (هرشني) وسألني هل أنا طلبت منك خطاب فقلت له: أنا أرى ذلك ولا يشترط أن تطلب مني بحكم أنني سكرتيرك الخاص فعليك أن تفعل ما شئت وإذا لم يعجبك فأتركه وأرسلته مع نصار عبد العظيم الذي كان يعمل حرساً لنميري وحينما سألته قال لي نميري: تلى ذلك الخطاب بأكمله وبعدما وضع الخطاب قال للأساتذة إنو عاوزين تهددوني؟، إذا لم يقم أي منكم بسحب استقالته في غضون 72 ساعة اعتبروا أنفسكم مفصولين، فجاءوني في القصر تاني يوم وسحبوا استقالاتهم على مضض.. وقالوا لي: الزول ده مجنون ولاّ شنو؟، فأخبرتهم بأن هذا الرجل عسكري والعسكرية لا تقبل عبارات التهديد.. وعندما سحبوا استقالاتهم لم يستطيعوا البقاء في الوطن فهاجروا خارج الوطن وكان نميري كلما ذهب للخارج وجد منهم كل الإحترام والتقدير والكرم الفياض.. فجاء وسألني قائلاًك الناس ديل بكرموني كرم شديد لدرجة أخجلتني.. فجاء وكتب عنهم ذلك الخطاب الذي خطيته له فرجعوا كلهم وجاءوا لسلك العمل.

فصل أساتذة جامعة الخرطوم
* أساتذة الجامعات الذين قام بفصلهم نميري عن العمل ما هي الأسباب التي كانت وراء ذلك؟
– جاء فصلهم بناءً على تقارير جاءت من داخل الجامعة أرسلت له توصية من رئيس مجلس الجامعة لأسباب لا تتعلق بالجامعة وهم ستة غير د. عبد الله الطيب ود. بوب ود. منقوشي ود. عبد العال بقسم التشريح قدم استقالته ورفضت، د. أحمد خليفة أبو مرين قام بتقديم استقالته وتم رفضها ويوسف سلفاب إتهم بممارسة النشاط السياسي والإشتراك في أحداث الجزيرة أبا وهذا ما قاله مدير الجامعة، كذلك الأستاذ حيدر زين العابدين إعتقل في سبتمبر سنة 70 وأطلق سراحه وكذلك الدكتور جعفر شيخ إدريس كان معيداً بكلية الآداب فصل لنشاطه السياسي.
* مدى علاقتك بسامي شرف؟
– كانت علاقة طيبة وكنا إخوة جمعنا العمل العام تدربت معه في مكتب الرئيس جمال عبد الناصر.. وكنا كلما أرسلت له في طلب أي شيء يخص العمل، سرعان ما كان يلبي طلبي، كما جمعتني بالرئيس جمال عبد الناصر علاقة حميمة.
* تناول البعض لسرد أحداث ثورة أكتوبر هل كان مستوفياً لكل الوقائع المدنية والعسكرية؟.. أم أن هنالك قصور من البعض في بعض الملامح؟
– لم يكن وافياً.. فهنالك من يتناولون في سردهم الوقائع المدنية متناسين المواقف العسكرية في هذه الثورة لأهميته لأن الناس رافضين الحصل أن الرأي العام العسكري الذي يأتي إلى فرع العمليات العسكرية الحربية كان مسئولاً عنه اللواء الباقر والطيب المرضي. ومحمد إدريس عبد الله ومعه حسن فحل، فقال أحمد إدريس إنه حاول التحدث مع عبود في القصر فإتصل بيوسف الجاك طه قائد المهندسين وهو رجل له كلمة وقال له: (حصل محمد إدريس حتى لا يعمل مشكلة مع عبود)، فذهب يوسف الجاك طه فوجد محمد إدريس نازل، وقال له: عبود قال إننا سنقوم باجتماع وسنقرر من خلاله ما سيكون، وأرجعه معه، وحينما رجع معه ذهبوا إلى إبراهيم عبود وأخبروه بأن هذا الجيش رافض العمل السياسي ومن الأفضل أن تحل المشكلة، والآن القصر في حالة حصار، فقام اللواء الباقر وهو شخصية شجاعة حيث كانت هنالك سرية عسكرية ذاهبة من شندي إلى ربك أو كوستي فقام بتوقيعها.. وقال لهم: لا أحد يطلع من القصر نهائياً والآن في أحد الذين كانوا موجودين آنذاك وهو أسامة عثمان صالح فأمرهم بعدم الدخول أو الخروج، فأرسل وذهب إلى إبراهيم عبود وأوضح له موقف الرأي العام وقال له: خلاص أنا سوف أتنازل.. فأرسل لعربة الإذاعة ودخل معه الباقر الذي أتى بالعربة مع أسامة عثمان إلى أم درمان.. وقام الباقر بتدوين ما تم من حديث ووقائع وأنا قمت بتسجيل كل الذين شملهم الاجتماع آنذاك.
* إذاً السرد لم يشمل الوقائع العسكرية؟
– نعم.. حسب متابعاتي لم يكن عبر الصحف.
* بوصفك خبيراً استراتيجياً وحسب مشاهداتك للأحداث التي صاحبت مشكلة دولة الجنوب وشكل الصراع الدائر هل يمكن أن تنطفئ شرارة ذلك الصراع المحموم بين أبناء الجنوب.. وهل يمكن أن يلتئم الشمال والجنوب؟
– نعم.. ولكن كل ما نريده هو إصلاح حال الجنوب والإهتمام بالمواطن، فدوام الإقتتال لا يزيد إلا من حدة الصراعات القبيلة ويشتت الأسر ويمنع قيام التنمية، نتمنى أن يمعنوا الجنوبيين النظر في ذلك ويمنعوا تدخل الدول الخارجية وتكثيف الإعلام الذي يفضح كل شيء.

ثورة أبريل والمشير سوار الذهب
* كيف جاءت ثورة أبريل رجب 1985م ألا تعتقد أن المشير نميري ترك ظهره كاشفاً دون غطاء حينما سافر لأمريكا.؟ وهل كان يعتقد إحتمالات تولي السلطة لمغامر غيره؟
– نعم.. نميري حينما سافر للولايات المتحدة الأمريكية بغرض تلقي العلاج والمراجعة الطبية لم يعتقد أبداً ولم يخطر على باله إحتمال تولي السلطة بواسطة مغامر غيره أو مجموعة، ولا أعتقد أن أحد المخلصين تقدم بنصيحة شجاعة لتأجيل السفر لمعاناة المواطنين آنذاك والتفاكر معهم للإصلاح.
* وماذا حدث بعد ذلك؟.. هل أعتقل قادة الإتجاه الإسلامي أو الصفوة المشاركة في حكومة مايو؟
– نعم.. هذا السؤال ذكي للغاية.. تم إصدار قرارات كان من ضمنها إعتقال الصفوة المشاركة في الحكم، فبدأ الإعتقال بطرق منزل الشيخ حسن الترابي أحد الإخوان بحي الوابورات بحري وأبلغة بقرار الأمن بإعتقال قيادة الإخوان المسلمين، فرجع الشيخ حسن ليخبر إخوانه من الإسلاميين والذين كانوا في وداعه حين كان مسافراً صباح الغد، فأخبرهم بالإعتقال ونصححهم بالإختفاء في أماكن آمنة بعيداً عن منازلهم وأنه سينتظر رجال الأمن وحقيبته معدة للسجن بدلاً من السفر.. إختفت المجموع منهم إبراهيم السنوسي فلم يتم إعتقالهم ولا إعتقال الإسلامي الكبير جار النبي محمد عبد الله جار النبي الذي كان محتفلاً بقدوم ابنه الصغير حديث الولادة وتمكن بمساعدة الجيران من الخروج بهدوء من الحفل وسافر إلى بلاد الله الواسعة.
* ما هي الأسباب التي دعت لإنتفاضة 1985م.؟
– طبعاً الله يهب الحكم لمن يشاء وينزعه ممن يشاء فإجتمعت الأسباب وقد كان من أبرزها معاناة الناس في الحصول على الخبز وإنقطاع التيار الكهربائي وصفوف البنزين والبطالة والشعور بالظلم وعدم المساواة.. فالشعب يريد الحرية والديمقراطية فقد طالت فترة حكم مايو لمدة ستة عشر سنة ولم يحتمل المواطن ذلك.
* برزت آنذاك إشاعات فيما يخص جمعية ود نميري أتذكرها؟
– نعم.. أذكرها جيداً فهي أحداث الفلاشة فلم يكن للرئيس نميري فساد يذكر فقد حاول الإستفادة من الصفوة والمثقفين والمفكرين بمختلف إتجاهاتهم وربما كان الإختيار صعب لعدم الإلمام بقدرات الكثير من المواطنين.

الصداقات الخارجية
* كيف انشئت وزارة الخارجية آنذاك ولمن أوكلت مهمة تنظيم وقيام ذلك؟
– أتى نميري ببعض الحكماء من أهل الحنكة والدراية أمثال مبارك زروق وصديقه الشاعر أحمد عثمان يسن والتجاني الماحي الذي قام بإختيار مجموعة من الناس بحسب إتجاهاتهم، ونحن ندرك أن السودان كان في حاجة ماسة لصداقات الدول حتى يكون التعاون متبادلاً ويكون الشخص الذي يقع عليه الإختيار لقيادة دفة العمل الدبلوماسي بعيداً عن الطمع.. وقديماً قال حسني مبارك: (إن الكفن مالهوش جيوب).
* الجامعات هل كانت تعمل باستقلالية أم أن هناك تسييس؟
– حسب خبرتي الإستراتيجية لا أحد كان يستطيع فعل شيء بدون الرجوع إلى إدارة الجامعة.

حاشية
هذا هو أحد أبناء السودان المخلصين
رجل أفنى زهرة شبابه في العمل العسكري وفي العديد من المواقع الإستراتيجية كان مثالاً للضابط المخلص المتفاني في عمله.. إلى أن أُحيل للمعاش، مثل السودان في العديد من المحافل العربية وكان أول أمين مجلس لثورة مايو.. أحد الضباط الذين كانوا من المقربين لرئيس الدولة لإخلاصه وإجتهاده في عمله، هجر العمل العسكري وتفرغ بعد ذلك للعمل الاقتصادي الخاص، برع فيه حتى عكس شخصية رجل الأعمال السوداني الناجح علمياً وعملياً، تعامل مع كبرى الشركات الألمانية والهولندية العاملة في مجال الطيران والقطارات.. معلم لا يشق له غبار ومربي أجيال فاضل وكاتب أصدر أول كتاب له عمر السنين أيام ويعكف الآن على إصدار كتابه الثاني.. هو موسوعة من العلم والمعرفة والخبرة عركته الحياة وعركها وجالس كبار قادة الدول العربية وكان محل حفاوتهم وتقديرهم، فكل الذي سردناه عنه كان حقائق لا تقبل التزييف، فهو تاريخ ناصع لرجل ناصع أعطى فأجزل، تشرفنا بالعمل معه لأنه أحد أبناء السودان الخلص.

Exit mobile version