مَن مِن أهل الحوار يتبنى هذا النداء الذي أطلقه صاحبه بغير عنوان..!!؟؟؟
تظل العقلية التي تدير الشأن السياسي في بلادنا بذات العطب التاريخي الذي يركز على الشعارات ويهمل التفاصيل كمثل من يرسب في امتحان شهادة الأساس ويصر على أن بإمكانه دخول الجامعة.
فقد أصدرت القيادة السياسية قرارات سمحت بموجبها للأحزاب بممارسة كافة أنشطتها بما وصفته (دون قيد أو شرط) وظلت تطارد أنشطة المراكز الثقافية والكيانات الإبداعية في تناقض واضح يشير لعدم الإيمان العميق بقضية الحرية كمبدأ، حيث يضع القرار السلطة في صورة من يرى أن قيام ندوة سياسية تطالب بإسقاط النظام لهو أهون عند الحكومة من قيام مركز ثقافي بإحياء فعالية ثقافية تتحدث عن دور الفنون في التنمية والتعليم.
إن الصورة الماثلة تتعدى أمر الحريات لتكشف بعمق عن التهميش الثقافي ونظرة السلطة السطحية للمثقفين وعدم شعورها بالحرج من مواصلة الاستبداد تجاههم، مما يعمق الشعور بازدراء الحكومة لمن يحمل الأقلام والكمنجات في مقابل احترام وتبجيل من يحمل السلاح ويطالب بإعادة هيكلة الدولة وإسقاط النظام وإعادة توزيع السلطة والثروة، وتلك لغة لا تعرفها منابر الثقافة والفنون، مما يقود لترسيخ مفهوم الخوف من ذوي القوة والبأس السياسي والعسكري واضطهاد النشاط السلمي الثقافي والإبداعي، وهذا درب تجهل الحكومة أنه عين الطريق إلى الغبن الاجتماعي الذي يغذي نزاعات الحاضر والمستقبل.
الحكومة أغلقت مراكز الثقافة والفنون بكل الصلف والاستبداد تجاه الثقافة والفنون المشهود تاريخيا، بل ما إن تسمع بكلمة تقشف حكومي إلا وكانت أولى ضحاياه وزارة الثقافة نفسها فيتم إلغاؤها ودمجها وتغيب عن الانظار إلى حين ميسرة.
إن هذا الفهم السطحي المتسلط يغفل ما توصل إليه العالم في عصره الحديث من احترام للثقافات وللفنون بل ومع ضعف مناهج التعليم الإنقاذية وتدهور التعليم نفسه تعتبر الثقافة والفنون ساقا حيوية لملء فراغ العقل والروح، والنشاط الثقافي هو العاصم من شرور البطالة وازدياد الجريمة وتفشي المخدرات في أجواء الفقر والإحباط الذي تسبب فيه السياسيون بفشلهم في الحكومة والمعارضة في مهمة تغيير الواقع المأزوم.
عاشت الخرطوم ولا تزال ليالي مظلمة وكئيبة في غياب أنشطة المراكز الثقافية قليلة العدد، وكان أحرى بالسلطة البحث عن منابر جديدة لسكان المدينة الذين يبلغ عددهم ثمانية ملايين لم تستطع السلطة احتمال نشاط ثمانية مراكز فقط تقدم لهم خدمات فنية وثقافية بمعدل مركز واحد لكل مليون نسمة من السكان، كما ضاقت بأنشطة منتدى ثقافي في القضارف وأغلقت أمسيات المدن والأرياف خارج الخرطوم بضبة ومفتاح البؤس والفقر وكبت مواهب القادمين وحرمانهم من الشعور الطبيعي بحقهم الدستوري في التعبير عن ثقافاتهم ورؤاهم الإبداعية وأنشطتهم السلمية فغابت المسرحيات الباذخة والأغاني الملهمة واللوحات المطربة والمبادرات الخلاقة.
إن الحقوق الثقافية للشعوب حقوق أساسية وليست منحا من الحكومات بموجب التزامات الحكومة دوليا، وتقع في صلب وثيقة الحقوق في دستور السودان المهدر عبر سياسات الحكم غير الرشيد الذي أدمنت الحكومة المستبدة السير في دربه.
أيها الباحثون هزلا عن الحرية والسلام، إن الثقافة والفنون هي قمة ثقافة السلام وهي الحياة وهي نقطة التقاء الحاضر بالماضي والمستقبل، وهي مفجرة طاقات الخير والإنسانية والنماء، وهي التنمية وحقوق الإنسان والكرامة وهي طريق الأمل وسكة الجمال، وهي كل الشعور المعافى بالوطن والآخر والمستقبل وهي لغة الشعوب.. فكم من أغنية ساحرة أرست في ضمير الوطن السلام والمحبة في عهد الغبن والكراهية، بل ماذا تبقى من ثورة أكتوبر غير دروس وعبر مخطوطة في سطور الكتب والفيديو وبعض أشعار وأغنيات؟ أليست الثقافة هي كل ما تبقى من الماضي وما سيخلد لأجيال المستقبل؟
ارفعوا أياديكم عن مراكز الثقافة والفنون الآن أو فلتصمتوا عن حديث الحريات والكرامة والسلام وإلى الأبد.
طارق الأمين
مركز بيت الفنون الثقافي
ثلاثة أعوام من الإغلاق الظالم