قال: إن حياتي مع زوجتي صارت مستحيلة، وقد اتخذنا قرارا بالانفصال، وقد وصل ضرر علاقتنا بأبنائنا إلى حد الدمار، قلت له: كم عندك من الأبناء؟ قال: بنتان وولد، أعمارهم ثلاثة وخمسة وتسعة، قلت: لا شك أن الأعمار الصغيرة تتأثر أكثر عند طلاق الوالدين، ولكن لو كان الأمر كما ذكرت فإني أقدم لك بعض التوصيات لعلها تفيدك في تربية أبنائك، وتساعدك في المحافظة عليهم بعد الطلاق، قال: أتمنى ذلك، وأعتقد أن أول سنة ستكون الأصعب في تربيتهم، فابتسمت وقلت له: وهذه هي أول توصية سأخبرك بها وهي:
إن كثيرا من المطلقين يظنون أن المشكلة التربوية للأبناء بعد الطلاق مشكلة مؤقتة، وعمرها لا يتجاوز سنة، بينما هي ليست كذلك، وإنما هي معاناة دائمة سترافقك حتى يكبر الأبناء ويتزوجون، فاستغرب مما قلت، وقال: لم أتوقع هذا! قلت له: لأن مشاكلهم متجددة، في البداية تبدأ بمشكلة المصاريف ثم التعليم ثم الزيارة والرؤية، ثم مشاكل الأهل ثم مشكلة المراهقة، وأخيرا مشكلة التعليم العالي أو السفر، وفي هذه الحالات لابد أن يكون لديك تنسيق قوي مع أمهم، وإلا خسرت أبناءك، وهذه هي التوصية الثانية، قال: أنا أردت من طلاقي أن أرتاح، ولكنك صعبت علي الموضوع، قلت: أنا لم أصعب عليك الطلاق، ولكن هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن تواجهها بعد طلاقك، وكلما كان التنسيق مع المطلقة قويا صغرت مشكلتك التربوية، فأنت بعد طلاقك تكون قد فقدت الصفة الزوجية، ولكنك لم تفقد الصفة الوالدية، قال: طيب، وما هي التوصية الثالثة ضرورة التنسيق والنفس الطويل؟ قلت: ليكن هدفك بعد طلاقك أن تربي أبناءك على الاعتماد على أنفسهم، وليس على والديهم بكل شيء، فقال: ولماذا تريد التركيز على هذا السلوك؟ قلت: عادة الأبناء في أسرتهم يلجأون لوالديهم في حال ضعفهم، إلا أن أبناءك سيعيشون في بيتين مختلفين، وبالتالي يحتاجون لتعلم الاعتماد على النفس، قال: وهذه نقطة مهمة لم أفكر بها، قلت: أما التوصية الرابعة فهي: أن أغلب المطلقين يبعدون أبناءهم عن مشاكلهم فيزداد الضغط عليهم، والصواب أن تجعل أبناءك يشاركونك بعض المشاكل، قال: ولكننا في هذه الحالة نكون قد أدخلناهم في معركة الحياة مبكرا، قلت: لا، وإنما تكون قد استثمرت المشكلة في زيادة نمو الأبناء، وتربيتهم على التحمل والصبر، والتفكير الذكي لعلاج المشاكل، قال: وهذه سأسميها القاعدة الذهبية، فهي مهمة جدا وخلاف ما كنت أعرف، قلت: أما التوصية الخامسة، فهي أن تربي أبناءك على كيفية التعامل مع مشاعرهم الغاضبة، لأنهم سيعيشون بمشاعر مضطربة وخاصة وقت الزيارة أو رؤية بعض أصدقائهم المستقرين في بيت واحد، فنحسن توجيه مشاعرهم نحو أحداث الحياة، ونبين لهم أن قرار الانفصال هو الصواب لأسرتهم، فقال: أما هذه فهي صعبة جدا، فكيف نقنعهم بأن قرارنا صائب؟
قلت له: عرضت علي حالة لمطلقين بنفس سؤالك هذا، فقلت لهما عرفا ابنكما بصديق من عائلة مطلقة، ليرى أنه ليس الوحيد في الدنيا الذي يعيش في عائلة مطلقة، ولما تم التعارف ونفذا هذا المقترح قال لي أبوه إن شخصية ابنه اختلفت تماما وصارت أحسن، بل وشعر أبوه أن لديه استقرارا نفسيا أكثر من قبل، قال: هذه فكرة ذكية ستعينني بإذن الله.
قلت له: وأحذرك من ثلاثة أمور تفعلها مع أبنائك بعد الطلاق، قال: ما هي؟ قلت: الأولى لا تردد عليهم كلمة أنتم ضحية أخطاء أمكم، أو سوء سلوكها أو تصرفها حتى لا يكرهوها، والثانية لا تكثر الإنفاق المالي عليهم بنية التعويض العاطفي الذي تعتقد أنهم فقدوه معك، فإن هذا يفسدهم ويهلكهم، والثالثة: إذا غضبت على مطلقتك أو عصيت أمرك في شيء فلا تستخدم أبناءك سلاحا للضغط عليها، قال: شكرا على هذه التوصيات الخمس، والمحذورات الثلاث، وبإذن الله سيكون طلاقي ناجحا.