لم تكن مشاركة الجيش السوداني في حرب اليمن من باب الصدفة وأمراً مستغرباً لجهة أنها تأتي في إطار التزام السودان بعملية إعادة الأمل للتحالف العربي، لما يمثله موقع اليمن من أهمية استراتيجية وتأكيداً لعمق الدور العربي في الحفاظ على الأمن القومي للمنطقة، وكان وزير الدفاع عوض ابنعوف قد أعلن عن استعداد (6) آلاف مقاتل من قوات الصاعقة والقوات البرية وقوات النخبة السودانية للمشاركة في عمليات اليمن متى ما طلبت قيادة التحالف وأوضح أن القوات التي وصلت إلى اليمن تعتبر الدفعة الثانية ومهمتها ضبط الأمن والقيام بأي أعمال توكل إليها من قيادة التحالف.
إن نجاح القوة العربية المشتركة في درء المخاطر الأمنية للأمن القومي بدول المنطقة أمر ليس بالسهل في ظل الأوضاع العسكرية للجيش في بعض الدول مثل اليمن وسوريا والعراق وبعض الدول التي تعاني بعض الحروب الداخلية، مما يعكس بعض التحديات التي تشمل الجيش السوداني مثله مثل بقية الجيوش المشاركة في تحالف القوات المشتركة، وعلى الرغم من أن القوات العربية هدفها الأساسي هو الدفاع عن الأمن القومي العربي للمنطقة، وهناك مؤشرات تبين أن المكاسب والفرص التي تتاح للجيش السوداني من هذه المشاركة أكثر من التحديات التي قد تواجهه.
مشاركة الجيش السوداني في الحروب الخارجية بدأت منذ الحرب العالمية الأولى والثانية، الأمر الذي أكسبه خبرات إقليمية ودولية في المجال العسكري، ومن خلال متابعة مسيرة الجيش السوداني يتضح أنه شارك في القوات الفرنسية في حربها في المكسيك في نهايات القرن التاسع عشر، كما أنه أسهم في أنشطة حفظ السلام ومراقبة وقف إطلاق النار من خلال عمله مع الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، كما شارك في عمليات تحرير سيناء في العام 1973م وكان جزءا من قوات الردع العربية.
يرى الخبراء العسكريون أن السودان يمتاز بعمق استراتيجي بعيداً عن إيران وعن إسرائيل وأن الجيش السوداني خاض حروباً أكثر من (50) عاماً في الداخل هي حروب أهلية وحروب عصابات والتي تعتبر أصعب أنواع الحروب، كما شارك في كل الحروب العربية الخارجية التي استدعت تحالفات وهذا ما أكسبه خبرات متراكمة، إضافة إلى أنه يتمتع بقدرات عالية على التأقلم مع المعدات العسكرية الحديثة.
وكان السودان في حرب أكتوبر قد مثل عمقاً استراتيجياً لمصر لذلك فإن مشاركته في القوات العربية تعتبر محفزاً للتفاؤل بالدور الذي يمكن أن يقوم به في إعادة الأمن إلى اليمن.
واعتبر اللواء يونس محمود الخبير في الشؤون العسكرية أن مشاركة السودان في قوات التحالف العربي ليست مشاركة انتهازية ولا ترتبط بالمصالح المادية لكنها ترتبط بالتعزيز الأمني الاستراتيجي للسودان لأنه جزء من منظومة الأمن القومي العربي، مبيناً أن الأحداث التي جرت في اليمن تمس الأمن القومي السوداني من خلال البحر الأحمر، ومن ناحية أخرى فإن الوجود الإيراني في اليمن من شأنه أن يفرض أوضاعاً لا تتفق مع استراتيجية السودان ومصالحه ومصالح أمنه القومي، خاصة وأن إيران لديها اعتقاد بأنها دولة عظمى لذا نجدها مددت أبعاد أمنها القومي إلى منطقة خليج عدن والبحر الأحمر وما يقع بينهما، كما أن المتابع يلحظ أن السعودية والخليج يمثلان مع السودان وحدة أمنية مشتركة ولذلك فإن مشاركة السودان في هذه القوات تأتي باعتبار أن السودان من أعرق الجيوش في المنطقة العربية ولديه عمق في تجربة القتال وتأهيل على مستوى عال جداً مقارنة بالجيوش الأخرى، فضلاً عن توفر المعدات والتجهيزات ويتضح هذا من مشاركة السودان في معرض الدفاع الذي أقيم بالإمارات مطلع العام ومشاركته بأكثر من (99) صنفاً ومعدات دفاعية، وهذا يدل على أن الجيش السوداني قطع شوطاً كبيراً ومقدراً في أن يكون ضمن أقوى الجيوش في المنطقة خاصة وأن التجارب تثبت أن له تجربة عريقة في المشاركات في الحروب العالمية الثانية وفي الجبهة الثلاثية وفي حرب العلمين والحرب العراقية الإيرانية وفي مصر في سيناء. وأكد يونس أن الحروب الطويلة التي خاضها الجيش السوداني زادته خبرة.
رانيا الأمين مصطفى
صحيفة اليوم التالي