* لست بصدد الحديث عن القوى السياسية العالمية العظمي التي تعبث بمصائر الشعوب بطرقها الحديثة المبتكرة.. ولا عن العدو الإسرائيلي بمخططاته التخريبية والاستعمارية بعيدة المدى. ولكني ببساطة سأتحدث عما تمارسه ضدنا (الشغالات) الأجنبيات داخل منازلنا من سطوة وسلطة مذلة في بعض الأحيان.
* والمعلوم أن نسبة استخدام المعاونات في المنزل قد ارتفعت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ, وتكاد بنات الأحباش يسيطرن على سوق القوى العاملة المنزلية تماماً.. وأصبح وجودهن في حياتنا أشبه ما يكون بالضرورة أو (الموضة).. ولا يقتصر استخدامهن على طبقة معينة من المجتمع أو فئة خاصة من الناس.. فهن _ كن _ دائماً متاحات بحسب الطلب. وعلى كافة الأنواع والأشكال والأسعار والتخصصات المهنية.
* وأصبح من الشائع جداً تكدسهن في بيوت المناسبات بشكل ملحوظ حيث تأتي إحداهن برفقة الواحدة منا من باب البرستيج أو بسبب رعايتها للأطفال, وأحيانا ينبن عنا في القيام بواجبات المعاونة في المحافل والأتراح. وكن حتي وقت قريب يتمتعن بقدر وافر من الاستكانة والأدب والاستسلام للضرورة الملحة التي دفعتهن للهجرة من بلادهن طلباً للرزق, فتجدهن حريصات جداً على القيام بواجباتهن على أكمل وجه مهما تنوعت لنيل ثقتنا ورضانا.
* وأنا شخصياً لا يمكنني أن أنكر فضلهن منذ سنحت ظروفي بالاستعانة بإحداهن لتعاونني على القيام بالتزاماتي الأسرية بعد أن أعياني التوفيق ما بينها وبين هذا الرهق الكتابي اللذيذ.
* ولكن.. مؤخراً برزت على السطح أزمة حقيقية وفادحة في وجود (الشغالات), ويعزو الكثيرون ذلك لارتفاع أسعار الدولار بحيث لم تعد التحاويل التي تبعثها هؤلاء الفتيات إلى ذويهن مرضية.. فآثرن البحث عن مهن أخرى أعلى أجراً _ ولا تسألوني عن ماهية تلك المهن فاللبيب بالإشارة يفهم _ واعتزلن الأعمال المنزلية التي لا تسمن ولا تغني من جوع وتركننا هكذا في حيرة وقلق بعد أن اعتمدنا عليهن كلياً ولم نعد نطيق منازلنا دونهن.
* والشاهد أن العديد من (الشغالات) قد هجرن البيوت التي يعملن بها مؤخراً بذرائع مختلفة لا سيما قبيل رمضان ليتركن العديد من السيدات وهن يكدن يذرفن الدموع على فراقهن.
* وإذا ما فكرت إحدانا للحظة في البحث عن بديلة اصطدمت بالأرقام الفلكية التي بتن يفرضنها كمقابل مادي لعملهن كـ(مديرات) لمنازلنا!!! ويكدن يكن (معدومات) وغير موجودات.
* أحد الأصدقاء الأعزاء ظل لعدة أيام يهاتفني وهو يشكو من مأساته هو وزوجته وأبنائه بعد خروج (الشغالة).. ويقول إنهم كادوا يقبلون يديها كي تبقى.. وكادت زوجته تذرف الدموع متوسلةً لها لتواصل (استعمارها) لمنزلها ولكن هيهات.. وحينما فكر في إحضار أخرى بديلة فوجئ بندرة المعروض وارتفاع رواتبهن الشهرية بصورة كبيرة حتي كادت إحداهن تساوي رأسها برأس كبار موظفي الخدمة المدنية لدينا. ومن بين استيائه العظيم خرج عليّ بفكرة مقاطعة (الشغالات) في ظل حملة جمعية حماية المستهلك الكبرى (الغالي متروك)!! وسألني بامتعاض عن السبب الذي يحول بيننا كربات بيوت وأمهات وبين القيام بأعبائنا المنزلية وحدنا؟.. خصوصاً وأننا كنا نؤديها جميعاً في السابق قبل صرعة الشغالات هذه بكل تفان.
ويتساءل صديقنا عن الفوائد التي اكتسبناها من وراء الاستعانة بتلك القوى الاستعمارية داخل بيوتنا أكثر من العديد من الكيلوهات الزائدة في أوزاننا والتي نلهث الآن وراء رياضة المشي والنوادي الصحية والتسكع على الكباري وشارع النيل في سبيل أن نفقد بعضها؟.. وينصحنا سيادته ـ نحن معشر النساء ـ بالعودة الطوعية إلى وظائفنا الحياتية الأساسية والتمرد على سطوة أولئك الفتيات اللائي يعشن بيننا ويعلمن كل أحوالنا وأسرارنا ثم لا تلبث إحداهن أن تنسى قدسية الملح والملاح و(تبيعنا) لأول وأفضل العروض التي تأتيها من آخرين.
* والحقيقة أننا فعلياً قد خضعنا تماماً لسيطرة (الحبشيات) وأصبحنا لا نستغني عنهن.. وكنت في كثير من الأحيان أضبط نفسي متلبسة بالتودد للبنت التي تعاونني بالمنزل لدرجة تصل حد (كسير التلج) والنفاق خشية أن تعلن يوماً تمردها عليّ فتترك ظهري مكشوفاً لما تقوم به من أعمال لم تعد لدي قدرة ولا طاقة على القيام بالعديد منها, وذلك فقط بسبب الوزن الزائد الذي اكتسبته فعلياً ومؤخراً بسبب استسلامي للركون حتى كدت أكون ضيفة علي بيتى.
تلويح:
هل يمكننا أن ننفذ هذه المقاطعة الغالية.. أم أننا أضعف من مجرد التفكير في هذا الفقد الجلل؟!!